إحداها: بيع اللَّبَن في الضَّرع باطل، وعن مالك -رضي الله عنه-: أنه إذا عرف قدر حِلاَبها في كل دفعة صح وإن باعه أيَّاماً.
لنا ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "نَهَى أَنْ يُبَاعَ صُوْفٌ عَلَى ظَهْرٍ، أَوْ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ"(١).
ولأنه مجهول القدر لتفاوت حسن الضُّرُوع، ولأنه يزداد شيئاً فشيئاً لا سيما إذا أخذ في الحلب وما يحدث ليس من المبيع، فلا يتأتى التَّمييز والتَّسْليم، ولو قال: بعتك من اللَّبن الذي في ضَرْع هذه البقرة كذا لم يجز أيضاً على الصحيح؛ لأن وجود القدر المذكور في الضَّرع لا يستيقن.
وفيه وجه: أنه يجوز كما لو باع قدراً من اللَّبن في الظَّرْف فيجي فيه قولاً بيع الغائب. ولو حَلَبَ شَيْئاً من اللَّبن فأراه ثم باعه رطلاً في الضَّرع، فقد نقلوا فيه وجهين كما في مسألة الأنْمُوذَج.
قال الإمام: وهذا لا يَنْقَدِح إذا كان المبيعِ قدراً لا يتأتى حَلْبه إلاَّ ويتزايد اللبن فإن المانع قائم، والحالة هذه فلا ينفع إِبْدَاء الأُنْمُوذج، نعم لو كان المبيع يَسِيراً وابتدر إلى الحلب فلا يفرض، والحالة هذه ازدياد شيء به مبالاة فيحتمل التَّجْوِيز، لكن إذا صورنا الأمر هكذا، فلا حاجة إلى إبداء الأُنمُوذج في التَّخريج على الخلاف بل صار صائرون إلى إلحاقه ببيع الغائب، وآخرون خَتَمُوا الباب وألحقوا القليل بالكثير، وصاحب الكتاب في "الوسيط" حكى الخلاف في سورة أخرى تناسب هذه، وهي أن يقبض على قدر من الضَّرع ويحكم سنده ويبيع ما فيه.
وقوله في الكتاب: "وإن لم نشترط الرؤية فبيع اللبن في الضرع باطل لا يخفى أن هذا ليس تفريعاً على هذا القول خاصة، بل هو على قول اشْتراط الرّؤية أولى بأن يبطل،
(١) أخرجه الدارقطني (٣/ ١٤) وقال: تفرد به عمر بن فروخ مرفوعاً وليس بالقوي، والمحفوظ وقفه عليه. احتمال للإمام.