وإنما ذكره عند التفريع على هذا القول ليعرف أنه وإن صحَّ شراء ما لم ير، لم يصح بيع اللَّبن في الضَّرْع لمعنى الاخْتِلاَط.
ونختم المسألة بصور تشبهها:
إحداها: لا يجوز بيع الصُّوف على ظهر الغنم لما مر من الخبر، ولأن مطلق اللفظ يتناول جميع ما على ظاهر الجلد، ولا يمكن استيعابه إلا بإيْلاَم الحيوان، وإن شرط الجَزّ فالعادة في المِقْدار المَجْزُوز تختلف، وبيع المجهول لا يجوز.
وعن مالك -رضي الله عنه-: أنه يجوز لشرط الجَزّ.
وحكاه القاضي ابن كَجٍّ وجهاً لبعض الأصحاب، ويجوز بيع الصوف على ظهر الحيوان بعد الذَّكَاة، إذ ليس في اسْتِيفَاء جميعه إِيْلاَم.
وتجوز الوَصِيَّة باللَّبن في الضرع، وبالصُّوف على ظهر الغنم بخلاف البيع.
الثانية: بيع الشَّاة المَذْبُوحَة قبل السَّلْخ باطل، سواء بِيع اللَّحم وحده أوالجِلْد وحده، أو بِيعا معاً، لأن المقصود اللحم وهو مجهول، ولا يجوز بيع الأَكارع والرّوس قبل الإبَانَة، وفي الأَكَارع وجه مذكور في "التَّتمة"، ويجوز بيعها بعد الإِبَانَة نيئةً وَمَشْوِيَّة، ولا اعتبار بما عليها من الجِلْدِ فإنها مأكولة، وكذا المَسْمُوط يجوز بيعه نَيّاً ومَشْويّاً، وفي النَّيِّ احتمال عند الإمام.
الثالثة: بيع الِمسْكِ في الفَأْرة باطل، سواء بيع معها أو دونها كاللحم في الجلد، ولا فرق بين أن يكون رَأْسُ الفأرة مفتوحاً أو لا يكون للجهل بالمقصود، وفصّل في "التتمة" إذا كانت مفتوحة فقال: إن لم تتفاوت ثَخَانَتُها، وشاهد الِمسْك فيه صح البيع، وإلاّ فلا. وعن ابن سريج: أنه يجوز بيعه مع الفَأْرَةِ تشبيهاً لها بالجُوز واللّوز.
ولو رأى المِسْك خارج الفأرة ثم اشتراه بعد الرَّد إليها صَحّ، فإن كان رَأْسُهَا مفتوحًا فرأى أعلاه فيجوز، وإِلاَّ فعلى قولي بيع الغائب (١).
(١) قال النووي: قال أصحابنا: لو باع المسك المختلط بغيره، لم يصح، لأن المقصود مجهول. كما لا يصح بيع اللبن المخلوط بماءٍ. ولو باع سمناً في ظرف، ورأى أعلاه مع ظرفه أو دونه، صح. فإن قال: بعتكه بظرفه، كل رطل بدرهم، فإن لم يكن للظرف قيمة، بطل. وإن كان، فقد قيل: يصح وإن اختلفت قيمتهما، كما لو باع فواكه مختلطة، أو حنطة مختلطة بشعير وزناً أو كيلاً. وقيل: باطل، لأن المقصود السمن، وهو مجهول، بخلاف الفواكه، فكلُّها مقصودة. وقيل: إن علماً وزن الظرف والسمن، جاز، وإلا، فلا، وهذا هو الأصح، صححه الجمهور، وقطع به معظم العراقيين. وإن باع المسك بفأرة، كل مثقال بدينار، فكالسمن بظرفه، ذكره البغوي وغيره. -والله أعلم- ينظر الروضة (٣/ ٣٧).