المسألة الثَّانية: لو رأى بعض الثّوب المبيع، وبعضه الآخر في صندوق أو جراب لم يكره. فقد حكى المزني عن نصه أن البيع باطل، ورأى كونه مقطوعاً به واحتج به لاختياره بطلان بيع الغائب، وقال: إذا بطل بيع ما لم ير بعضه، فلأن يبطل بيع ما لم ير كله كان أَوْلَى.
وللأصحاب في المَسْأَلَةِ طريقان: فقال قائلون منهم أبو إسحاق: المسألة على قولين، كَما لو لم يَرَ شَيْئاً منه، وحيث أجاب الشافعي -رضي الله عنه- بالبطلان، أجاب على أحد القولين في بيع الغائب، والاقتضاء على أحد القولين في بعض الصور لا يستبدع، ألا ترى أنه اقتصر على قول التصحيح في كثير من المواضع؟
وسلم آخرون منهم صاحب "الإفصاح" أبو علي ما قرره المُزَنِيُّ من الجَزْمِ بالبطلان، وفرقوا بوجهين:
أحدهما: أنَّ ما نظر إلى بعضه بسهل النَّظَر إلى باقيه بخلاف الغَائِب فقد يعسر إحضاره وتدعو الحاجة إلى بيعه.
والثَّاني: أَنَّ الرؤية فيما يراه سبب اللُّزُوم وعدمها فيما لم ير سبب الجواز والعقد واحد، لا يتصور إثبات الجواز واللزوم فيه مَعَاً ولا يمكن تبعيض المعقود عليه في الحكمين. قال جمهور الأئمة: والصحيح الطريقة الأولى والفرقان فاسدان، أما الأول فلأنا على قول تجويز بيع الغَائِب نجوِّز بيع ما في الكم مع سهولة إخراجه، وأما الثَّاني فلأن وجود سبب الرَّدِّ في البعضَ يكفي في رَدِّ الكل كما إذا وجد ببعض المبيع عيباً.
وإذا عرفت ما ذكرناه عرفت أن ما اقتصر على ذكره في الكتاب تفريعاً على هذا القول غير ما هو الصحيح عند الجمهور.
هذا أكله فيما إذا كان المبيع شيئاً واحداً، أما إذا كان المَبِيعُ شيئين، ورأى أحدهما دون الآخر، فإن أبطلنا شراء الغَائب، لم يصحَّ المبيع فيما لم يره، وفيما رآه قولاً تفريق الصَّفقة، فإن صححنا شراء الغائب ففي صحّة العقد فيهما قولان؛ لأنه جمع في صفقة واحدة بين مختلفي الحكم، لأن ما رآه لا خيار فيه، وما لم يره يثبت فيه الخيار، فإن صححنا فله رد ما لم يكره وإِمْسَاك ما رآه.
المسألة الثالثة: إذا لم نشترط الرُّؤية فلا بد من ذكر جِنْسِ المبيع بأن يقول: بعتك عبدي أو فرسي ولا يكفي قوله: بعتك ما في كُمِّي أو كَفِّي أَو خزَانَتِي أو ما ورثته من أبي إذا لم يعرفه المشتري هذا ظاهر المذهب.
وحكى الإمام وجهاً: أنه يصح وإن لم يذكر الجنس؛ لأن المَرْعى على القول الذي عليه يفرع أن يكون المبيع معيناً، والجَهَالَة لا تزول بذكر الجِنْس فلا معنى لاشتراطه، فعلى هذا لا يشترط ذكر النوع بطريق الأولى.