للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمنع منها إذا أمكنه الوصول إليه. وإن كان الثاني، فأي حاجة إلى أن يقول: شاهدين حاضرين، ومعلوم أنَّ الغائب عن البلد لا يمكن إشهاده على التفسيرين يكون حضور مجلس الحكم مشروطاً بالعجز عن الإشهاد بعيد.

أما على الأول: فلأن حضور مجلس الحكم قد يكون أسهل عليه من إحضار من يشهده، أو الحضور عنده.

وأما على الثاني: فلأنه لو اطلع على العيب وهو حاضر في مجلس الحكم ينفذ فسخه ولا يحتاج إلى الإشهاد، بل يتعين عليه ذلك إن أراد الفسخ، فظهر أنَّ التَّرتيب الذي يقتضيه ظاهر لفظ الكتاب غير مرعي.

واعلم بعد ذلك: أَنَّ القول في كيفية المُبَادرة وما يكون تقصيراً وما لا يكون، إنما يبسط في "كتاب الشفعة"، وأذكر هاهنا ما لا بد منه، فأقول: الذي فهمته من كلام الأصحاب أن البائع إذا كان في البلد رد عليه بنفسه أو بوكيله، وكذا لو كان وكيله حاضراً، ولا حاجة إلى المرافعة، ولو تركه ورفع الأمر إلى مجلس الحكم فهو زيادة توكيد.

وحاصل هذا: تخييره بين الأمرين، وإن كان غائباً عن البلد رفع الأمر إلى مجلس الحكم (١).

قال القاضي الحسين في "فتاويه" يدَّعي شراء ذلك الشيء من فلان الغائب بثمن معلوم، وأنه أقبضه الثمن، ثم ظهر العيب، وأنه فسخ البيع ويقيم البَيِّنة على ذلك في وجه مسَّخر (٢) ينصبه القاضي، ويحلفه القاضي مع البينة؛ لأنه قضاء على الغائب، ثم يأخذ المبيع منه ويضعه على يدي عدل، والثمن يبقى دَيْنًا على الغائب فيقضيه القاضي من ماله، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه فيه، إلى أن ينتهي إلى الخَصْم أو القاضي في الحالتين، لو تمكن من الإشهاد على الفسخ هل يلزمه ذلك؟ فيه وجهان:

منقول صاحب "التتمة" وغيره منهما: اللزوم (٣)، ويجري الخلاف فيما إذا أخر بعذر مرض أو غيره، ولو عجز في الحال عن الإِشْهَاد، فهل عليه التَّلفظ بالفسخ؟ فيه وجهان:


(١) أي ولا يؤخر لقدومه ولا للمسافرة إليه وإطلاق الغيبة قليل المسافة وكثيرها، توقف فيه في المطلب ثم مال إليه وعلله بأن في تكليف الخروج عن البلد حرجاً لا يليق بما نحن فيه لا سيما مع وجود الحاكم وكيفية الرفع على ما قاله القاضي حسين في فتاويه.
(٢) سيأتي بيان ذلك في كتاب القضاء وهو الذي يعمل بلا أجر.
(٣) [قال في الشرح الصغير: إنه الأشبه بالترجيح عندهم، وفي المحرر أنه أظهر الوجهين. والمراد بالإشهاد هو الإشهاد على طلب الفسخ كما اقتضاه كلام الرافعي في كتاب الشفعة، ومقتض كلام الغزالي هنا أن الإشهاد على نفس الفسخ وصرح بإشهاد اثنين. قال في المطلب: وهو على سبيل الاحتياط]. ينظر روضة الطالبين (٣/ ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>