للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الغزالي: الرَّابِعُ العَيْبُ الحَادِثُ مَانِعٌ مِنَ الرَّدِّ، وَطَرِيقُ دَفْعِ الظُّلاَمَةِ أَنْ يَضُمَّ أَرْشَ الحَادِثِ إلَى المَبِيعِ وَيرُدَّهُ، أَوْ يُغَرِّمَ البَائِعُ لَهُ أَرْشَ العَيْبِ القَدِيم، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي تَعْيِينِ أَحَدِ المَسْلَكَيْنِ، فَالأَصَحُّ أَنَّ طَالِبَ أَرْشِ القَدِيمِ أَوْلَى بَالإِجَابَةِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ العَيْبِ الحَادِثِ غُرْمٌ دَخِيلٌ لَمْ يَقْتَضِهِ العَقْدُ.

قال الرافعي: إذا حدث بالمبيع عيب في يد المشتري بجناية أو آفة، ثم اطَّلع على عيب قديم فلا يمكن الرَّد قهراً (١) لما فيه من الإضرار بالبائع، ولا يكلف المشتري القناعة به، لما فيه من الإضرار به، ولكن يعلم المشتري البائع بالحال، فإن رضي به معيباً قيل للمشتري: إما أن ترده، وإما أن تقنع به معيباً ولا شيء، وإن لم يَرْضَ فلا بد من أن يضم المشتري أَرْشَ العيب الحادث إلى المبيع ليرده، أو أن يغرم البائع للمشتري أَرْشَ العيب القديم ليمسكه رعاية للجانبين، فإنْ توافقا على أحد هذين المَسْلَكين فذاك (٢)، وإن تنازعا فدعا أحدهما إلى الرد مع أَرْش العيب الحادث، ودعا الآخر إلى الإِمْسَاك وغرامة أَرْش العيب القديم، فحاصل ما اشتمل كلام الأصحاب عليه وجوه اختصرها الإمام:

أحدها: أن المتبع رأى المشتري، ويجبر البائع على ما يقوله؛ لأن الأصل أن لا يلزمه تمام الثمن إلاَّ بمبيع سليم، فإذا تَعذّر ذلك فوضت الخِيرَةَ إليه، ولأن البائع ملبس بترويج المبيع، فكان رعاية جانب المشتري أولى، ويروى هذا الوجه عن مالك وأحمد، وعن أبي ثور: أنه نَصُّه في القديم.

والثاني: أن المتبع رأي البائع؛ لأنه إما غَارِم أو آخِذٌ ما لم يرد العقد عليه.

والثالث وهو الأصح: أنَّ المتبع رأى من يدعو إلى الإمساك والرجوع بأرْشِ العيب القديم، سواء كان هو البائع أو المشتري لما فيه من تقرير العقد، وأيضاً فالرجوع بأَرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد؛ لأن قضيته إلاَّ يستقرَّ الثمن بكماله إلا في مقابلة السليم، وضم أَرْش العيب الحادث إدخال شيء جديد لم يكن في العقد، فكان الأول أولى، فعلى هذا لو قال البائع: رده مع أَرْش العيب الحادث، فللمشتري أنْ يأتي وَيغْرم ويأخذ أرش العيب القديم ولو أراد المشتري أن يرده مع أرش العيب الحادث


(١) محل عدم الرد إذا لم يستند العيب الحادث إلى سبب متقدم، فإن أسند إليه فله الرد. لأن كل من الملكين فيه جمع بين المصلحتين ورعاية للجانبين.
(٢) محل التخيير فيمن تصرف لنفسه، فأما من باع عن غيره بولاية أو نيابة فيفعل الأحظ. لما فيه تقرير العقد، وأيضاً فالمرجوع بأرش العيب القديم يستند إلى أصل العقد لأن قضيته أن لا يستقر الثمن بكماله إلا في مقابلة التسليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>