ولك أن تبحث عن قوله:"وإن توقعه بظن غالب" فنقول: لِمَ قيده بالظن الغالب، ولم يقتصر على مجرد التوقع فاعلم أن التَوَقُّع يشمل الظَّنَّ، ومجرد التجويز، فلو لم يقل بظن غالب، لدخل فيه ما إذا تساوى الطرفان عنده، فلم يظن الوجود في آخر الوقت، ولا العدم، وما إذا ظن العدم، وجواز الوجود، ولا جريان للقولين في هاتين (١) الحالتين، بل الحكم فيهما أولوية التَّعْجِيل لا محالة، وموضع القولين ما إذا ترجَّح عنده الوجود على العدم، وإن لم يتيقنه، فكذلك قال بظن غالب، وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود، ولا العدم ولا وثوق به، وكأن ذلك القائل أراد بالظن اليقين.
قال الرافعي: إذا زاحمه غيره على الاسْتِقَاءِ كما إذا انتهوا إلى بئر ولم يمكن الاسْتِقَاء إلا بِالمُنَاوَبَةِ إما لاتحاد آلة الاستقاء أو لضيق موضع النَّازحِ، فإن توقع وصول النّوبة إليه قبل خروج الوقت لم يتيمم، فلعله يجد فرصة الوضوء.
وإن علم أنه لا تنتهي النوبة إليه إلا بعد الوقت، فقد حكى عن نص الشَّافعي -رضي الله عنه- أنه يَصْبِرَ إلى أن يتوضأ، ولا يبالي بخروج الوقت، وإن حضر جمع من العُرَاةِ، وليس ثم إلا ثوب واحد، يصلون فيه على التَّنَاوب، وعلم أن النوبة لا تنتهى إليه إلا بعد الوقت، نص أنه يصبر أيضاً، ولا يصلي عاريًا في الوقت، ولو اجتمعوا في سَفِينَةٍ، أو بيت ضَيِّقِ، وهناك موضع واحد يمكن فيه الصَّلاة قائماً، نص أنه يصلي في الوقت قاعداً، ولا يصبر إلى انتهاء النوبة إليه بعد الوقت، وهذا يخالف النص في المسألتين الأولين، فاختلف الأصحاب على طريقين:
أظهرهما: وبها قال أبو زبد المروزي: لا فرق، والمسائل كلها على قولين بالنقل والتخريج.
أظهرهما: أنه يصلي في الوقت بالتيمم، وعارياً وقاعداً، لأن حرمة الوقت لا بد من رِعَايَتِهَا، والقدرة بعد الوقت لا تأثير لها في صلاة الوقت.
والثاني: أنه يصبر لوجود القدرة على الوضوء واللبس والقيام.