للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَرَكَ السَّقْيَ فَفَسَدَتِ الثِّمَارُ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِ، فَإِنْ لَمْ تَفْسَد بَلْ فَاتَتْ فَفي انْفِسَاخِ العَقْدِ خِلاَفٌ، كَمَا في مَوْتِ العَبْدِ المَقْبُوضِ بِمَرَضٍ تَقَدَّمَ عَلَى القَبْضِ.

قال الرَّافِعِيُّ: الكلام من هذا الموضع إلى رأس النَّظر الخامس في أحكام الثمار المبيعة على رأس الأشجار، وما يعرض لها من العوارض الجَوَائح، كالحَرّ والجَرَاد والحَرِيق ونحوها وقد قدم إمام الحرمين على بيان حكمها أصلين لا غنى عن معرفتهما، وينفعان في أَثْنَاء المسألة.

أحدهما: أنَّه إِذا بَاعَ الثِّمَار بعد بُدُوِّ الصَّلاحَ، يلزمه سَقْي الأشجار قبل التَّخْلِية وبعدها قدر ما يَنْمُو به الثمار ويسلم عن التَّلَف والفساد (١). واحتج له بأن التَّسْليم واجب عليه، والسَّقْي من تَتِمّة التَّسْليم كالكَيْل في المَكِيْلاَت والوزن في المَوْزُونات، فيكون على البائع فلو شرط كونه على المشتري بطل العقد؛ لأنه على خلاف قضيته.

والثَّاني: أنَّ المشتري يَتَسلَّط على التَّصَرُّف في الثِّمَار بَعْد جريان التَّخْلية من كل وجه.

إذا تقرر ذلك فَلِلْجَوَائِح حالتان:

أحدهما: أن تعرض قبل التَّخْلية فهي مِنْ ضمان البائع فإن تلف جميع الثِّمار انْفسخ العقد، ولو تلف بعضها انفسخ فيه، وفي الباقي قَوْلا التفريق.

والثَّانية: أن تعرض بعد التَّخْلية، فينظر إن باعها بعد بدُوِّ الصلاح، ففيه طرق، وأحدها فيه قولان:

أحدهما: أن الجَوَائِحَ من ضمان البائع، وبه قال أحمد لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ" (٢).

وأصحهما وهو الجديد، وبه قال أبو حنيفة: أنها من ضَمَان المشتري؛ لأن القَبْض حصل بالتَّخلية، فصار كما لو هلك بعد القِطَاف، والخبر مَحْمُول على الاسْتِحْبَاب، ويشعر به ما روي "أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ ثَمَرَةً فَأَذْهَبَتْهَا الْجَائِحَةُ، فَسَأَلَهُ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ أَنْ لاَ يَفْعَلَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: تَأَلَّى أن لا يفعل خيراً، فَأُخْبِرَ الْبَائِعُ بِمَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمَحَ بِهِ لِلْمُبْتَاعِ" (٣).


(١) محله فيما عادته السقي أما البعلي فلا وهذا عند الإمكان فلو غارت العين أو انقطع النهر ففي السلسلة للشيخ أبي محمد الجويني ما يقضي أنه لا يكلف تحصيل ماء آخر.
(٢) أخرجه مسلم ١٥٥٤.
(٣) قال ابن الملقن: أخرجه الشافعي ١٢٨٧، بإسناده من رواية عمرة، ولفظه تأبى، وقال قال الشافعي هو مرسل، والبيهقي ٥/ ٣٠٥، وقال قد أسند لكنه ضعيف. انظر الخلاصة ٢/ ٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>