للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن ما ذكرناه من القولين في الآفات السَّمَاوية الَّتِي لا نِسْبَة لها إلى البائع بحال، فأما إذا ترك السَّقي وعرضت في الثمار آفة بسبب العَطَش، فنتكلم أولاً فيما إذا تلفت به ثم فيما إذا تعيّبت، وإن كان ترتيب الكتاب عكسه.

أما: إذا تلفت ففيه طريقان:

أحدهما: أن في انفساخ البيع قولين أيضاً، يحكى هذا عن أبي علي الطَّبري.

وأصحهما: القطع بالانفساخ لاستناد هذه الآفة إلى ترك السَّقْي المستحق بالعقد قبل التَّخلية، وما يستند إلى سبب سابق على القبض، قد ينزل منزلة ما لو سَبَق بنفسه، كما ذكرنا في القتل بالردة السابقة، والقطع بالسرقة السابقة، وموت العبد من المرض المتقدم على القبض.

فإن قلنا بعدم الانفساخ فعلى البائع الضمان من القيمة والمِثْل، وإنما يجب ضمان ما تلف ولا ينظر إلى ما كان ينتهي إليه لولا العارض.

وأما إذا فسدت بالتَّعيب فللمشتري الخيار، وإن جعلنا الجَوَائِح من ضمانه.

قال الإمام: لأن الشرع ألزم البائع بتنمية الثمار بالسقي، فالتَّعيب الحادث بترك السَّقي كالعَيْب المتقدم على القبض، ولو أفضى التَّعيب إلى التَّلف، نظر، إن لم يشعر به المشتري حتى تلف عاد الخلاف في الانفساخ ولزم الضَّمان على البائع، إن قلنا بعدم الانفساخ، ولا خيار بعد التلف هكذا ذكره الإمام، وإن شعر به ولم يفسخ حتى تلفت، فيغرم البائع في وجه لعدوانه ولا يغرم في آخر لتقصير المشتري بترك الفسخ مع القدرة عليه.

فرع: لو باع الثمار مع الأشجار، فتلفت الثمار بجَائِحَة قبل التَّخْلية بطل العقد فيها، وفي الأَشْجار قولان: وإن تلفت بعد التَّخْلية فهي من ضمان المشتري قولاً واحداً، لأن العلائق منقطعة هاهنا والثمرة مُتَّصلة بملك المشتري (١).

فرع: لو اشترى طعاماً مُكَايلة، وقيضه جُزَافاً فهلك في يده، ففي انْفِسَاخ العقد وجهان: لبقاء علقة الكيل بينهما (٢).

قال الغزالي: وَإِن بَاعَ القِثَّاءَ أَوْ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ التَّلاحُقُ وَعَسُرَ التَّسْلِيمُ بَطُلَ عَلَى الأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَ نَادِراً وَاتَّفَقَ ذَلِكَ قَبْلَ القَبْضِ انْفَسَخَ العَقْدُ عَلَى قَوْلٍ، وَلَعَلَّ الأَظْهَرَ أَنَّهُ


(١) قال النووي: ولو كانت الثمرة لرجل، والشجرة لآخر، فباعها لصاحب الشجرة، وخلّى بينهما، ثم تلفت، فمن ضمان المشتري بلا خلاف، لانقطاع العلائق. ينظر الروضة ٣/ ٢٢٠، ٢٢١.
(٢) قال في الخادم والأرجح الانفساح.

<<  <  ج: ص:  >  >>