اختيار الشيخ أبي حامد: المنع. واختيار القاضي أبي الطَّيب: الجواز.
فأما ما جفف ولم يطبخ فيجوز السَّلَم فيه بلا خلاف، ويقرب من صور الخلاف تردد صاحب "التقريب" في السَّلَم في الماء، ورُدَّ لاختلاف تأثير النار فيما يتصعّد ويُقَطر، واستبعد إمام الحرمين وجه المنع فيها جميعاً، ولا عبرة بتأثير الشمس بل يجوز السَّلَم في العَسَل المُصَفّى بالشمس، وفي العسل المُصَفَّى بالنار والوجهان في الدَّبْسِ ونحوه، ومما يوجه به المنع أن النار تعيبه وتسرع الفساد إليه.
قال الغزالي: وَفي السَّلَمِ في الحَيَوَانَاتِ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنَ الشُّعُورِ قَوْلاَنِ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الحَيَوَانَاتِ وَالمَعْدُودَاتِ، وَالأَصَحُّ في الأَكَارعِ الجَوَازُ لِقِلَّةِ الاخْتِلاَفِ في أَجْزَائِهِا.
قال الرَّافِعِيُّ: في السَّلم في رُؤوس الحيوانات المأكولة قولان:
أحدهما: الجواز، وبه قال مالك وأحمد، كالسَّلم في جملة الحيوان، وكالسَّلَم في لحم الفَخِذ وسائر الأعضاء.
وأظهرهما: المنع.
وبه قال أبو حنيفة؛ لاشتمالها على أَبْعَاض مختلفة كالمَنَاخِرِ والمَشَافِرِ وغيرها، وتعذّر ضبطها، ويخالف السَّلَم في الحيوان، فإن المقصود جملة الحيوان من غير تَجْرِيد النظر إلى آحَادِ الأعضاء، ويخالف السَّلَم في لحوم سائر الأعضاء، فإنَّ لحم سائر الأعضاء أكثر من عظمها والرَّأس على العكس، والأَكارع كالرؤوس (١).
ورأى صاحب الكتاب، الجواز فيها أصح لأنها أقرب إلى الضَّبط، لكن الجمهور على الأول بل عن القاضي أبي الطَّيب الرمز إلى القطع بالمنع فيها.
فإن قلنا: بالجواز فيهما فذلك بشروط:
أحدها: أن تكون مُنَقَّاة من الصوف والشَّعر، فأما السَّلَم فيها من غير تنقية فلا يجوز لتستر المقصود بما ليس بمقصود.
والثاني: أن توزن، فأما بالعدد فلا لاختلافها في الصغر والكبر.
والثالث: أن تكون نَيَّة، فأما المَطْبُوخة والمَشْوِية فلا سَلَم فيها بحال، وفي كتاب القاضي ابن كج اعتبار شرط آخر: وهو أن تكون المَشَافِر والمَنَاخِر مُنَحَّاة عنها، وهذا لا اعتماد عليه.
وقوله في الكتاب: (لترددها بين الحيوانات والمعدودات) إشارة إلى توجيه
(١) قال النووي: فإذا جوزناه في الأكارع فمن شرطه أن يقول: من الأيدي والأرجل.