للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن التوثيق بالرَّهْن والضَّمَان شديد التَّقَارب، فما يجوز الرَّهْن به يجوز ضمانه، وبالعكس إلاَّ أنَّ ضمان العهدة جائز، ولا يجوز الرَّهْن بها، هذا ظاهر المذهب والفرق ما مرّ ومنهم من سَوَّى بينهما في العهدة أيضاً، ووفى بتمام التلازم، وأما في طرف الإثبات فعن القَفَّال وجه أنه يجوز الرَّهْن بها كالضَّمان (١).

وأما في طرق النفي فسيأتي في باب الضمان إن شاء الله تعالى.

قال الغزالي: وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ أَنْ لاَ يَكُونَ بِهِ رَهْنٌ بَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي قَدْرِ المَرْهُونِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ، وَفِي الزِّيَادَةِ فِي الدَّيْنِ عَلَى مَرْهُونٍ وَاحِدٍ قَوْلاَنِ، وَاخْتِيَارُ المُزَنِيِّ جَوَازُهُ (ح).

قال الرَّافِعِيُّ: ليس من شرط الدين المرهون به أنْ لا يكون به رهن، بل يجوز أنْ يرهن بالدَّيْن الواحد رهناً بعد رهن، ثم هو كما لو رهنهما معاً.

ولو كان الشيء مرهوناً بعشرة وأقرضه عشرة أخرى، على أن يكون مرهوناً بها أيضاً فقولان:

القديم: وبه قال مالك والمُزَنِيّ أنه جائز، كما تجوز الزِّيَادة في الرَّهْن بِدَيْن واحد.

والجديد؛ وبه قال أبو حنيفة: أنه لا يجوز كما لا يجوز رهنه عند غير المرتهن، وإن وفي بالدَّيْنَيْن جميعاً، فإنْ أراد توثيقهما فسخا، وليستأنفا رهناً بالعشرين، ويفارق الزِّيَادة في الرَّهْن بِدَيْن واحد؛ لأن الدَّيْن شغل الرَّهْن ولا ينعكس، فالزيادة في الرَّهْن شغل فارغ، والزيادَة في الدَّيْن شغل مشغول.

ونقل القاضي ابن كَجٍّ وغيره أَنَّ له في الجديد قولاً آخر كالقديم، وسواء كان كذلك أم لا فالأصح المنع، ولو جنى العَبْد المرهون ففداه المرتهن بإذن الرَّاهِن على أنْ يكون العبد مرهوناً بالفداء، والدين الأول نص في "المختصر" على جوازه، وللأصحاب طريقان:

أظهرهما: القطع بالجواز؛ لأنه من مصالح الرَّهْن من حيث أنه يتضمن استيفاؤه.

والثاني: أنه على القولين وبناهما بَانُون على أن المشرف على الزوال إذا استدرك وصين عن الزوال، يكون اسْتِدْرَاكه كإزالته وإعادته، أو هو مَحْض اسْتِدَامة وفيه خلاف.


(١) قال النووي: كذا قال الشيخ أبو حامد في "التعليق" والغزالي في "الوسيط" ما صح ضمانه، صح الرَّهْن به إلا من مسألة العهدة وليستثنى أيضاً، أن ضمان رد الأعيان المضمونة صحيح على المذهب بها، باطل على الصحيح، وممن استثناها الغزالي في "البسيط". ينظر الروضة ٣/ ٢٩٨، ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>