للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما: مثل مذهبنا.

والثانية: أنه يمسح مسح المسافر.

لنا أنه عبادة اجتمع فيها الحضر والسفر فيغلب حكم الحضر كما لو كان مقيماً في أحد طرفي صلاته لا يجوز له القصر.

واعلم أن الاعتبار في المسح بتمامه حتى لو تَوَضَّأَ في الحَضَرِ، ومسح على أحد الخفين ثم سافر ومسح على الآخر، كان له أن يمسح مسح المُسَافرين؛ لأنه لم يتم المسح في الحضر (١) ولو ابتدأ المسح في السَّفَرِ ثم صار مقيماً نظر إن أقام بعد تمام يوم وليلة لم يمسح، بل ينزع ويستأنف اللبس ويجزئه ما مضى، وإن زاد على يوم وليلة وإن أقام قبل تمام يوم وليلة فله أن يتم يوماً وليلة مسح المقيمين.

وقال المزني كل يوم وليلة في السفر مقابل بثلث يوم وليلة في الحضر، فإن مسح يوماً وليلة في السفر ثم أقام، فله ثلثا يوم وليلة. وإن مسح يومين وليلتين ثم أقام فله ثلثا يوم وليلة. لنا تغليب جانب الحَضَرِ كما تقدم.

الرابعة: لو شك في انقضاء مدة المسح: أما المقيم في مدة المقيمين أو المسافر في مدة المسافرين وجب عليه غسل الرجلين وتعذر المسح.

قال صاحب "التلخيص": هذا مما يستثنى عن قولنا: اليقين لا يترك بالشك؟ لأن جواز المسح يقين وانقضاء المدّة مشكوك فيه، أجاب الأصحاب بأن قالوا: لا بل هذا أخذ باليقين، لأن الأصل وجوب غسل الرّجلين والمسح رخصة منوطة بشرائط فإذا شك في المدة فقد شك في بعض الشّرائط فيعود، إلى الأصل وهذا كما لو توضَّأت المستحاضة ثم شكت في انقطاع دمها.

قال الشافعي -رضي الله عنه-: لا تُصَلِّي حتى تتوضأ ولا نقول: الأصل سَيَلاَنُ الدم بل نقول: الأصل أن من أحدث توضأ وإنما جَوَّزَ لها الصلاة للضرورة فإذا شكت في بقاء الضرورة عادت إلى الأصل.

وكذلك لو دخل المسافر بعض البلاد، ولم يدر أنه البلد الذي قصده، أم غيره فلا يقصر؛ لأن الأصل وجوب الأربع وقد شَكَّ في شرط القصر وهو السَّفر.


(١) قال النووي: هذا الذي جزم به الإمام الرافعي -رحمه الله- في مسألة المسح على أحد الخفين في الحضر، هو الذي ذكره القاضي حسين وصاحب (التهذيب)، لكن الصحيح المختار ما جزم به صاحب "التتمة"، واختاره الشاشي: أنه يمسح مسح مقيم لتلبسه بالعبادة في الحضر. والله أعلم. انظر الروضة (١/ ٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>