للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُدَّامِ القتب (١)، أو من خَلْفِه، أو أراد أن يُرْدِفَه رديفاً، كان للمستأجر منْعُهُ.

ولو استأْجَرَ دابَّةً ليركبها إلَى موضَع معلوم، فركبها إلَيْه، فعن صاحب "التَّقْرِيب" أن له ردَّها إلى المَوْضِع الذي سارَ منْه إلاَّ أن ينْهَاه صاحِبُها، وقال الأكثرون: ليْسَ له الردُّ، ولكن يسلمها إلَى وكيل المالك، إنْ كان له وكيلٌ هناك، وإلاَّ، فإلى الحاكم، فإنْ لم يكنْ هناك حاكمُ فإلَى أمين، فإن لم يجدْ أميناً، ردَّها واستصْحَبَها إلَى حيث يذْهَب كالمودَعِ يُسَافِر بالوديعة؛ للضرورة، وإذا جاز له الردُّ لم يكن له الركوبُ، بل يسوقُها أو يقُودُها، إلا أن يكون بها جماحٌ لانتقاد إلاَّ بالركوب، وبمثله، لو استعار ليَرْكَب إليه قال العَبَّادِيُّ: لهُ الركوبُ [في الردِّ؛ لأنَّ الردَّ لازمٌ عليه، والإذن يتناوله بالعُرْف، والمستأْجر لا ردَّ عليه.

ولو استأْجَرَ دابَّةً للركوب] (٢) إلى موضعٍ، فجاوزه، فعليه المسمى لما استأجر له، وأجرةُ المِثْلِ؛ لما زاد، ويصيرُ ضامِناً من وقت المجاوَزَة، حتَّى إذا ماتت، لَزِمَه أقْصَى القيمة منْ حينئذ، إنْ لم يكن صَاحِبُهَا معها، ولا يبرأ عن الضَّمان بردِّها إلَى ذلك المكان، وإن كان صاحبُها معها، فإن تلِفَتْ بعدما نَزَل، وسلَّمها إلى المَالِكِ، فلا ضمان عليه، وإنْ تَلِفَتْ، وهو راكبٌ، نُظِر؛ إن تلِفَتْ بالوقوع في بئْرٍ ونحوه، ضمِنَ جميع القيمة، فإنْ لم يحدُثْ سببٌ ظاهرٌ، فقد قيل: يلْزَمُه جميعُ القيمة أيضاً.

والأصحُّ: أنه لا يلزمُهُ الكلُّ؛ لأن الظاهرَ حُصُول التلف بكثرة التعب، وتعاقُب السير حتَّى لو أقام في المقْصِد قدر ما يزُولُ فيه التَّعَب، ثم خرَجَ منْ غير إذْن المالك، ضَمِن الكلَّ، وعلَى هذا؛ فالتَّلَف حَصَلَ من حقٍّ وعدوانٍ، فيلزمُه نصْفَ الضمان، أو ما يقتضيه التَّوْزِيع على المسافتين؟ فيه قولان، كما ذكرنا فيما إذا حَمَل فوق المشروط، وإنِ استأجرها؛ ليَرْكَب ويعود فلا يلزمُهُ؛ لما جاوز أجْرَةَ المثل؛ لأنَّه يستحقُّ أن يقْطَع قدْر تلْكَ المسافة ذهاباً وإياباً؛ بناءً على أنه يجوز العدُولُ إلَى مثل الطَّريق المعيَّن (٣).

ثمَّ إن قدر في هذه الإجارة مدَّة مقامه في المَقْصد، فذاك، وإلاَّ فإنْ لم يزدْ على مدة المسافِرِينَ، انتفع بما في الإياب فإن زاد حسبت (٤) الزيادة عليه وإنْ إسْتأْجَر دابة إلى عَشَرة فَرَاسِخَ، فقطع نصْف المسافَةِ، ثم رَجَع لأخذ شيْءٍ نَسِيَه راكبًا، انتهتِ الإجارة،


(١) القتب: الرَّحلُ الصغير على قدر سنام البعير.
(٢) سقط في: ب.
(٣) قال النووي: ولا يجوز أن يركبها بعد المجاوزة جميع الطريق راجعاً، بل يركبها بقدر تمام مسافة الرجوع.
(٤) في د: وجبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>