لكن في فتاوى القَفَّال: أنَّ العِتقَ، لا يَفْسُدُ بهذا الشَّرْط، وفَرَّقَ بيْنَهما بأنَّ العِتْقَ مَبْنيٌّ على الغَلَبَة والسِّراية. وعن ابن سُرَيْج أَنَّه قال: يحتمل أنْ تبطلَ الشُّروط، ويصحُّ أصل الوقْف، ولو وقَف عَلى ولده أو غيره بشَرْط أن يرجع إلَيْه، إذا مات، فعن البُويْطِيِّ أنَّهُ على القولين؛ أخْذاً من مسألة العُمْرَى، والمذهَبُ البُطْلاَن.
ولو وقَفَ، وشَرَط لنَفْسِهِ أنْ يحرمَ من شاء، ويزيدَ مَنْ شاء، أو يقدِّم أو يؤخِّرَ، ففي صحَّة شرْطِه وجهان:
أصحُّهُمَا: المَنْعُ؛ لأنَّ وَضْعَ الوقْف على اللزوم، وإذا كان الموقوفُ علَيْه يتعرض للسقوط فلا لزوم.
والثاني: وبه قال ابْنُ القَطَّانِ: أنَّه يصحُّ، كما لو شرط صَرْفَ الرِّيع مدَّةً إلى هذا، ومدَّةً إلى هذا. قال الإمامُ: وموضِعُ الوجهَيْن ما إذا لَزِم الوقْفُ بالشَّرط المذكور.
أمَّا إذا أطلقه، ثم أراد أنْ يغيِّر ما ذكره بِحِرْمَان أو زيادةِ مستَحَقٍّ، أو تقدم أو تأخرٍ، لم يجد إلَيْه سَبِيلاً.
قال: وإذا صحَّحنا شرْطَه لنَفْسِه، فلو شرَطَه لغيره، فوجهان:
أصحُّهُمَا: الفسادُ، وإن أفسدناه، فِفي فسادِ الوَقْف به خلاف مبنيٌّ على أنَّ الوقْفَ؛ كالعِتْق أم لا؟. هذا ما وجدتُّه فيما يَحْضُرُني الآن مِنْ كتُب الأصحاب، وجواب عامَّتهم بطلانُ الشَّرْط والوَقْف في الصُّوَر جميعاً، ورتَّب صاحِبُ الكتاب هذه الصُّوَر في "الوسيط" على ثلاثِ مرَاتِبَ:
إحداها: أن يقُولَ؛ وقَفْتُ بشَرْط أن أرْجِعَ متى شِئْتُ، أو أحرم المستَحِقَّ، وأحوِّل الحقَّ إلى غيره، متَى شئْتُ فهو فاسد.
والثانيةُ: أنْ يقولَ: بشَرْطِ أنْ أغيِّر مقادير الاستحقاقِ بحكم المصْلحة، فهو جائزٌ.
والثالثةُ: أنْ يقولَ: أُبْقي أَصْلَ الوَقْفِ، وأُغيِّر بفَضْله، ففيه وجهان.
وقوله ههنا: "ورفع شرائطه" يُشْبه أن يريد به التحوُّل من شخْص إلى شخص، أو جهةٍ إلى جهةٍ الذي عده من المرتبة الأولَى، وحكم فيها بالفَسَاد.
واعْلَمْ أنَّ الترتيبَ الَّذي ذكره لا يكادُ يوجدُ لغيره، ثم فيه لَبْسٌ، فإنَّ التَّحْويلَ مِنْ مستحقٍّ إلى مستحقٍّ المعدود في المرتبة الأولَى، وتعتبر مقاديرُ الاستحقاقِ الذي جعلَه مثالاً للثانية، كلُّ واحد منهما مندرجٌ فيما جعله موضِعَ الوجهين، وهو إبقاءُ أصْلِ الوقْف، ويعتبر تفصيله ويجوزُ أن يُعْلَمَ قولُه في الكتاب: "فسَدَ الوَقْف" بالواو؛ لما قدَّمناه.