للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عرض له هذا العذْر: أن يرد الوديعة إلَى مالكها أو إلَى وكيله، إِن كان له وكيلٌ؛ إِما في استرداده خاصَّةً، أَو في عامَّة أشغاله، فإن لم يظْفَرْ بالمالك؛ لغيبته أو توارِيهِ، أو حَبْسِه وتعذَّر الرسول إلَيْه، ولا ظفر بوكيله، فيدفَعُها إلى القاضي، وعليه قَبُولُها، فإنْ لم يجدِ القاضي، دفعها إلَى أمينٍ، ولا يكلّف تأخير السَفَرِ، وقد رُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- "كَانَتِ عِنْدَه وَدَائِعِ؛ فَلَمَّا أَرَادَ الهِجْرَةَ، سلَّمها إلَى أمِّ أَيْمَنَ، وَأَمَرَ عَلِيّاً -رضيَ الله عَنْهُ- بِرَدِّهَا" (١) فإن ترك هذا الترتيب، فدفعها إلى الحاكم أو إلى أمينٍ مع إمكان الدفْعِ إلى المَالِك، أو وكيله، ضَمِنَ، ويجيء في الحاكِمِ الخلافُ المذْكُور من قبل، وإن دفع إلَى أمينٍ، وهو يجد الحاكم، فوجهان:

أحدهما: وبه قال أحمُد وابن خَيْرَان والإصطخريُّ: أنَّه يضمن (٢)، لأَنَّ أمانة الحاكم ظاهرةُ متَّفقٌ عليها، فلا يُعْدَلُ عنها، كَما لا يُعْدلُ عن النصِّ إلى الاجتهاد، وأيضاً: فإن الحاكمَ نائبُ الغائبين، فكان كالوكيل.

والثاني: لا يضمن، وبه قال أبو إسحاق، ويُحْكَى عن مالك؛ لأنه أودَعَ بالعُذْر أَميناً، فأشبَهَ الحاكم، وذكر القاضي الرويانىُّ: أنَّ هذا أظهرُ في المذهب، ولكنَّ الشيخ أبا حامدٍ -رحمه الله- رجَّح الأول، وبه قال صاحبُ "التهذيب" وغيره، وقد يعبر عن الخلافِ بالقولَيْنِ؛ لأنَّ الشافعيَّ -رضي الله عنه- قال في باب "الرَّهْن" فيما إذا أراد العَدْل الرَّهْن، لو دفعه، يعني: إلَى عدل، بغير أمْرِ الحاكم -ضمن وقال هاهنا في "ردِّ الوديعة": ولو لم يكن حاضرًا، يعني رَبَّ الوديعة، فأودعها أميناً، يودِعُه ماله- لم يضمن، فلم يفرق بين أن يجد الحاكمَ أوْ لا يجدَ. ونقل المتولِّي وغيره طريقةً قاطعةً بأنه يضمن، ويحمل ما ذكره هاهنا عَلَى ما إذا لم يَجِدِ الحاكم وفي بعض الشروح طريقةٌ قاطعةٌ بأنه لا يَضْمَنُ، ويحمل ما ذكره في الرهْن عَلَى ما إذا كَانَ المالِكُ أو وكيله حاضراً في البلد وحكى الشيخ أبو حاتِمٍ القزويني -رحمه الله- وجْهاً أنَّه يُشْتَرَطَ أن


(١) قال الحافظ في التخليص: "روي أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كانت عنده ودائع فلما أراد الهجرة سلمها إلى أم المؤمنين، وأمر علياً بردها".
أما تسليمها إلى أم المؤمنين فلا يعرف، بل لم تكن عنده في ذلك الوقت. إن كان المراد بها عائشة نعم كان قد تزوج سودة بنت زمعة قبل الهجرة. فإن صح فيحتمل أن تكون هي. وأما أمره علياً بردها، فروى ابن إسحاق بسند قوي، فذكر حديث الخروج إلى الهجرة، قال: فأقام علي بن أبي طالب خمس ليال وأيامها حتى أدى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الودائع التي كانت عنده للناس.
(٢) قال الرافعي في الشرح الصغير رجّع التضمين وقول الإمام الرافعي أن الشيخ أبا حامد رجح الأول -يعني الضمان- لعل النقل عن الشيخ أبي حامد مختلف، والذي في الشامل نقلاً عنه أنه صحح في التعليق عدم الضمان ونقله عنه أيضاً كذلك في البيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>