قَالَ الرَّافِعِيُّ: مالٌ في يد رجلٍ، جاء اثنانِ، وادَّعَى كلُّ واحدٍ منهما أَنه له، أودَعَه إِياه، فالجواب يفرض عَلَى وجوه:
أحدها: إِن أكذبهما، وقال: المالُ لِي، حَلَف لكلِّ واحدٍ منهما أَنَّه لا يلزمه تسليمُهُ إِلَيْه.
والثاني: إِذا أَقَرَّ بِهِ لأَحدهما بعَيْنه، دفع إِليْه، وهل للآخر تحليفُهُ، يبنَى عَلَى أَنه إِذا أَقرَّ بمالٍ لزيد، ثم أَقرَّ به لعمرٍو، هل يغرَّم لعمرو، إنْ قلنا: لا، فلا، وإِنْ قلنا: نعم، عرضت اليمين علَيْه، فإِن حلف، سقَطَتْ عنه دَعْوى الآخر، وإِن نكل حلف الآخر، ثم يوقف المالُ بينهما إلَى أَن يصطَلِحَا، أَو يقسم بيْنَهُما، كما لو أَقر لَهُمَا أَو يغرم المدَّعى علَيْه القيمة له، فيه ثلاثة أَوجهٍ عن ابنِ سُرَيْجٍ، قال ابن الصبَّاغ: والمذهبُ الثالثُ (١)، وهذا الخلافُ ناظرٌ إِلَى أَن اليمينَ بعد نكولِ المدَّعَى عليه كإقرار المدعى عليه أو كالبينة من جهة المدعي، وعبر في "التهذيب" عن الغرض بعبَارَةٍ أُخرى، فقال: إِذا أَقرَّ لأحدهما، هل للآخر دعْوَى القيمة يبنَى على الخلاف في الغرم، لو أَقر للثاني، إِن قلنا يغرَّم، فنعم، وإِن قلْنا لا، فيبنَى على أنَّ اليمين بعد النكُول كالإقرار، أَو كالبينة، إِن قلنا: كالإقرار، لم يَدَّعِ القيمة، وإِن قلنا: كالبينة، فله دعْوَاها، فإن حلَف، بَرِئَ، وإن نكل، حَلَف المدعي، وأَخَذَها، ولا تنتزع العَيْنُ من الأَوَّل؛ لأَنَّها، وإِن كانت كالبَيِّنة، فليست كالبينة في حقِّ غير المتداعييْنِ.
والثالثُ: إِذا قال: هُوَ لَكُمَا، فهو كمالٌ في يد شخصين يتداعَيَانِهِ، فإِن حلف أَحدُهُما، قضَى له، ولا خصومة للآخَرِ مع المودعَ لنكوله، وإِن نَكَلاَ، جعل بينهما، وكذا لو حَلَف، وحكم كلُّ واحدٍ منهما في النصْفِ الآخر كالحُكْم في الكلِّ في حقِّ غير المُقَرِّ له، وقد بيناه.
(١) ما نقله عن ترجيح ابن الصباغ تابعه الشاشي في الحلية وصاحب الانتصار والذخائر والاستقصاء فقالوا: أصح الأوجه أنها تقر في يد الأول ويغرم للثاني قيمتها وما ذكره من التخريج مخالف لكلام جمع من العراقيين منهم البندنيجي وسليم الرازي حيث قالوا: إن الأوجه مفرعة على أنه بمنزلة الإقرار وأما إن قلنا كالبينة لزمه أن يبطل إقراره للأول ويحكم بها للثاني. (قاله ابن الرفعة).