والرابع: وهو المذكورُ في الكتاب: إِذا قَالَ: هو لأحدكما، وقد نَسِيُتَ عَيْنه، فإِن ضمنا المودَعُ بالنسيان، [فهو ضامنٌ، وقد قصر الكلامَ، وإن لم يضمنه بالنِّسيان، طال التفريح، فيُنْظر: إِن صدَّقاه في النسيان، فلا خصومةَ لهما معه، وإِنما الخصُومَةُ بينهما، فإِن اصطلحا عَلَى شيْءٍ فذاك، وإلاَّ فيُجْعَل المالُ، كأَنه في أَيديهما يتداعَيَانِهِ؛ لأَن صاحب اليَدِ يقُولُ: إِن اليد لأحدِهِمَا، وليس أَحدهما بأوْلى من الآخر، وفي "الوسيط" وجه آخرُ عن المحامِلِيِّ: أَنه كَمَالٍ في يدِ ثالثٍ يتداعَاهُ اثنان؛ لأَنه لم يثبُتْ لأَحدهما يدٌ عليه، فعلَى الأَوَّل، لو أَقام كلُّ واحد منهما بيِّنة، أَو حَلَفَا، أَو نَكَلاَ، فهو بينهما، وإِن أَقام أَحدُهما البينة، أَو حَلَف، ونكَلَ صاحُبُه، قُضِيَ له، وعلى الثاني: لو أَقام كل واحدٍ منهما بينةٌ، فهو على الخلاف في تعارُضِ البينتين، وإِن نكلا أَو حَلَف، وُقِفَ المالُ بينهما، وسواءٌ قلنا بالوجّهِ الأَولِ، أَو الثانِي، فيترك المالُ في يد المدَّعَى عليه إلى أَن تنفصل الخصومة بينهما أو ينتزع منه، فيه قولان:
أحدهما: يترك؛ لأنه لا بد من وَضْعِهِ عند أَمينٍ، وهو أمينٌ، لم يظْهر منه خيانةٌ.
والثاني: وهو الذي أَورده صاحبُ "التهذيب" وغيره: أَنه ينتزعُ، لأَن مطالبتها بالردِّ يتضمَّن عزله، قال في "التتمة": والقولان فيما إِذا طَلَب أَحدُهُما الانتزاعَ، والآخر الترْكَ عنده، أَمَا إِذا اتفقا على أحدِ الأَمرَيْنِ، فيتبع الحاكم رأَيهما، ويمكن أَن يكون هذا مبنيّاٌ على أنَّه يجعل المال، كأنه في يدهما، وإلا فيتبع الحاكم رأْيه، هذا إِذا صدَّقاه في النِّسْيان، وإِن كذَّباه، وادعَى كلُّ واحدٍ علمه بأَنه المالكُ، فالقولُ قول المودَعِ مع يمينه، ويكفيه يمينٌ واحدةٌ عَلَى نفي العلْمٍ؛ لأَن المدَّعَى شيءْ واحدٌ، وهو علمه، عند أَبي حنيفة -رحمه الله-: أنه يحلفُ لكلِّ واحدٍ منهما يميناً، وهلْ للحاكم تحليفُهُ على نفي العلم، إذا لم يدعه الخصمانِ، وذكروا فيه (١) وجهَيْنِ، ثم إِذا حلف المدَّعَى عليه، فالحكمُ كما لو صدَّقاه في النسيان، وذكر بعضهم: أنه ينتزع المالُ من يده هاهنا، وإن لم ينتزَعْ هناك؛ لأَنه خائن عنْدَهما بدعْوَى النسيان، وإِن نَكَلَ، فتردُّ اليمينُ عليهما، فإِن نَكَلاَ، فالمالُ مقسومٌ بينهما، أَو موقوفٌ حتَّى يصَطلحا علَى ما تقدَّم، وإِن حلف أَحدهما، دون الآخر، قُضِيَ للحالف، وإِن حلفا، فقولان، ويقال وجهان:
وأَصحُّهما: أَنه يقسم لأَنَّه في أَيديهما، وعلَى هذا، فيغرَّم القيمة، ويقَسَّم بينهما أَيضاً؛ لأَن كلَّ واحد منهما أَثبت بيمينِ الردِّ جميع العَيْن، ولم يحْصُل له إلاَّ نصفها،
(١) لم يرجع شيئاً، وقد حكاها الإمام عن صاحب التقريب وأنه قال: أصحهما لا يحلفه لأنه حقهما وهما لم يطلباه.