أبوان في الإِسْلاَمِ كُفْءٌ لِلَّتِي لَهَا عَشْرَةٌ آبَاءٍ في الإِسلام؛ لأنَّ الأَبَ الثَّالِثَ لا يذكر في التعريف، فلا يلحق العار بسببه، وَالظَّاهِرُ الأَوَّلُ، والفاسق ليس كُفْئًا للعفيفة ولا ينظر إلى الشهرة، بل الذي لا يشتهر بالصلاح كفئًا للمشهورة به وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْفَاسِقُ كَفْئًا للعفيفة فالمبتدع أولى ألا يكون كفئًا للنسيبة وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي الرُّويَانِي.
ومنها الحرفة: فأصحاب الحرف الدَّنِيَّةِ ليسوا بأكفاء للأشراف ولا لسائر المحترفة، ويدل على اعتبارها اللفظ الذي تقدم إلا "حائك أو حجام"، فالكناس والحجام وقيم الحمام والحارس والراعي لا يكافئون ابنة الخياط، والخياط لا يكافئ ابنة التَّاجِرِ والبَزَّازِ ولا المحترف ابنة القاضي، والعالم، وذكر في الحلية أنه يراعي العادة في الحرف والصناعات؛ لأن في بعْضِ الْبِلاَدِ التِّجَارَةُ أولى من الزِّرَاعَةِ، وفي بعضها الأمْرُ بالعكس.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحِرَفَ الدَّنِيَّةَ في الأَبَاءِ، والاشْتِهَارُ بِالْفِسْقِ مما يُعَيَّر به الولد، فيشبه أن يكون حال الذي كان أبوه صاحب حرفة دنية، أو مشهورًا بالفسق مع التي أبوها عدل كما ذكرنا في حَقِّ من أَسْلَمَ بنفسه مع التي أبوها مسلم، وَالْحَقُّ أن تجعل النظر في حال الآباء دينًا وسيرة وحرفة من حيز النسب، فَإِنَّ مَفَاخِرَ الأَبَاءِ وَمَثَالِبَهُمْ هي التي يدور عليها أمر النَّسَبِ، وهذا يؤكد اعْتِبَارَ النَّسَبِ في حَقِّ العُجْمِ، ويقتضي ألاَّ تُطْلَقَ الكفاءة بين غير قريش من العرب.
ومنها اليسار: وهل هو من خِصَالِ الْكَفَاءَةِ؟.
فيه وجهان:
أظهرههما: لا؛ لأن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اخْتَارَ الْفَقْرَ (١)؛ وَلأَنَّ الْمَالَ غادٍ ورائَحٌ، ولا يفتخر به أهل المروءات والبصائر.
والثاني: نَعَمْ؛ لأنه إذا كان مُعْسِرًا لم ينفق على الولد، وينفق عليها نَفَقَةَ المعسرين فتتضرر به. وعلى هذا فوجهان:
(١) قال الحافظ: هذا الاختيار لا أصل له، لكن يستأنس له بما ثبت في الصحيح: أنه أتى بمفاتيح كنوز الأرض فردها لكنه لا ينفي مطلق لغني المذكور في قوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} وقد ثبت في السير كلها أنه لما مات كان مكفيًا، وثبت أنه استعاذ من الفقر كما تقدم في باب قسم الصدقات، وقد ذكرنا شيئًا من هذا أيضًا في الخصائص (فائدة) قال الشَّافعي: أصل الكفاءة في النكاح، حديث بريرة لما خيرت؛ لأنها إنما خيرت لأن زوجها لم يكن كفؤًا، انتهى. وقد اختلف السلف هل كان عبدًا أو حرًا، وذكر البخاري الخلاف في ذلك، والراجح أنه كان عبدًا، وسيأتي.