أَنْ يعلم قوله: "في خَمْسِ خِصَالٍ" بالحاء؛ لأنَّ أَبَا حَنَيْفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- لا يعتبر السَّلاَمَةِ عن العيوب، وحكى بعض أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لا يعتبر الحرفة أيضًا وبالميم والواو؛ لأن صَاحِبَ "الشَّامِلِ" حكى عن مالك -رَضِي اللهُ عَنْهُ- أنَّ الْكَفَاءَةَ في الدِّينِ وَحْدَهُ، وذكر أَنهُ قَوْلٌ للشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- مَن البُوَيْطِيِّ وبالألف؛ لأَنَّ في رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لا يَعْتَبِرُ إلاَّ الدِّينَ والنَّسَبَ، والأصح عنه مثل مذهبنا.
وأما قوله: "والنَّسَبُ إلى شَجَرَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-" إلى آخره.
فاعلم أنَّ كَلاَمَ أَكْثَرِ الأصْحَابِ في النَّسَبِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
وَذَكَرَ الإِمَامُ قَدَّسَ اللهُ رَوحَهُ أَنَّ شَرَفَ النَّسَبِ يَثْبُتُ مِنْ ثَلاَثِ جِهَاتٍ.
إحداها: الانتماء إلى شَجَرَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ويرعى القرب والبعد منه وعليه بني عُمَرُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- دَيْوَانَ المُرْتَزِقَةِ.
والثانية: الانتماء إلى العلماء، فإنهم وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ (١) صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيهِمِ، وبهم رَبَطَ اللهُ تَعَالَى حِفْظَ الْمِلَّةِ.
والثالثة: الانتماء إِلَى أَهْلِ الصَّلاَحِ والتَّقْوَى -قال الله تعالى عَزَّ اسْمُهُ: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: ٨٢]. فبين شرف الانتساب ويعتبر أن يكون من إليه الانتماء مشهورًا بين الناس بالصَّلاَحِ، فالشرف حِيْنَئِذٍ يحصل، ولا عبرة بالانْتِسَابِ إلى عَظَمَاءِ الدُّنْيَا والظلمة المستولين على الرِّقَابِ، وإن كَانَ النَّاسُ قد يَتَفَاخَرُونَ بهم.
وَنَحَا صَاحِبُ "الْكِتَاب" نحو هذه الطريقة وفيها تصريح بأن الانتساب إلى كل واحد من هذه الجهات يقتضي الفضيلة برأسه وعلى هذا فلا يمكن إطلاق القول بأنا العجم أكفاء، وكذا من سُوَى قُرَيْشٍ من العرب، وكذ بنو هَاشِمٍ، وما ذكر أن الانتساب إلى عظماء الدُّنْيَا لا عَبْرَةَ بِهِ فَكَلاَمُ النَّقَلَةِ لاَ يُسَاعِدُهُ هَذَا.
واعلم أنَّ صَاحِبَ "التتمة" يقول: وللعجم عُرْفٌ في الكفاءة فيعتبر عُرْفُهُم.
وَقَوْلُهُ: "وإلى الصُّلَحَاءِ المشهورين" لفظ "المشهورين" يمكن رده من جهة النظم إلى الْعُلَمَاءِ أيضًا، لكنه أَرَادَ الرَّدَّ إلى الصُّلَحَاءِ خاصة عَلَى مَا هُوَ مبين في "الوسيط" و"النهاية".
وقوله: "واليسار لا يعتبر" معلم بالألف؛ لأن أحمد يعتبر اليسار وبالحاء؛ لأن أَبَا حَنِيْفَةَ يعتبره بقدر الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ.
(١) أخرجه أحمد وأبو داود [٣٦٤١ - ٣٦٤] [٨٠ موارد] والترمذي [٢٦٨٣١] وابن حبان من حديث أبي الدرداء، وضعفه الدارقطني في العلل، وهو مضطرب الإِسناد قاله المنذري وقد ذكره البخاري في صحيحه بغير إسناد.