للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غصْبَ المرأة نكاحاً فعن القَفَّالِ أَنه لا يُقَرَّر عليه، إِذ لا عَقْدَ.

والصحيحُ المشهورُ التقْريرُ؛ لأَنه ليس فيها إلا إِقامةُ الفعل مُقَام القَوْلِ، فأَشبه سائر وجوه الفَسَاد، وهو في حَقِّ أَهل الحرب، وأَمَّا الذِّمِّيّونَ، فلا يُقَرُّون، بعد الإِسلام؛ لأَنَّ على الإمام أَن يدفع قهر بعضهم عن بعض، بخلاف أهْلِ الحرب، والمستأمنين (١) ليسوا كأَهل الذمة في ذلك؛ إِذْ ليس على الإمَامَ مَنْعُ بعضهم عن بعض، وإِنَّما يلزمه بحكم الأمان أَن يَمْنَع عنهم من يَجْرِي عليه أَحْكَامُ الإِسلام.

وقوله في الكتاب: "وإذا أَسْلَمَا، لم نَبْحَثْ عن شرط نكاحهما" أَي: في ابتداء العَقْد، ويحتج له بأَنه أَسلم خَلْقٌ كَثْيِرٌ، فلم يسألهم النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن شروط أَنْكحَتِهِمْ وَأقرَّهم عليها، وأَما في حَالِ، الإسْلاَمِ، فالوجه الاحتياطُ.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا المُفْسِدُ الطَّارِئُ بَعْدَ العَقْدِ لاَ يُؤَثِّرُ كَمَا لو كَانَتْ عِنْدَ الإسْلاَمِ مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ أوْ سَبَقَتْ وَأَحْرَمَتْ قَبْلَ إِسْلاَمِهِ، وَلَكِنْ لَوْ نَكَحَ أَمَةً ثُمَّ حُرَّةً وَأَسْلَمَ


(١) قال الشيخ البلقيني: أصل ما ذكره في هذه المسألة منصوص عليه في الأم ومختصر البويطي وتصرف فيه الأصحاب فقال في الأم كما نقله البندنيجي في تعليقه: وإذا قهر حربي امرأة حربية على نفسها فوطئها أو طاوعته فوطئها وولدت منه أو لم تلد ثم أسلما لم يجز إقرارهما على ذلك إذا كان لا يعتقدان ذلك نكاحاً، ونقل ذلك صاحب البيان عن الأم مختصراً، وفي البويطي قبل تزويج البكر وإن غلب امرأة على نفسها أو طاوعته فأصابها ولم يكن ذلك نكاحاً عندهم ثم أسلما في العدة ولم يكن ذلك عقد نكاح عندهم فرق بينهما. انتهى.
وأما تصرف الأصحاب فقال البندنيجي بعد حكايته النص قال أصحابنا: فإن قهر حربي حربية على نفسها ووطئها وكانا يعتقدان ذلك نكاحاً جاز إقرارهما على ذلك لأنه نكاح عندهما وكان يعتقدان دوامه ولزومه بينهما وعلى هذا يدل كلام الشَّافعي وابن الصباغ لما حكى المسألة عن أبي علي في الإِفصاح وألحق المستأمنين بالحربيين قال مفرقاً ولهذا لو قصدهم أهل الحرب لم يلزم الإمام دفعهم عنهم بخلاف الذمة.
واعلم أنه لا بدّ من التنبيه على أمرين:
أحدهما: لو قهر ذمي حربية أو حربي ذمية ما حكمه.
والجواب أن ذلك خارج من العلة ففي الصورة الأولى يصح إن اعتقدا ذلك نكاحاً وإلا فلا. وفي الثانية لا يصح لأن على الإِمام أن يدفع أهل الحرب عن أهل الذمة وعلى هذا ترد الثانية على إطلاق الحاوي الصغير.
الأمر الثاني: يقع في أكثر التصانيف تبعاً لمفهوم النص تصوير القهر والوطء وفي كلام الغزالي وأتباعه تصوير القهر فقط وفي ذلك كلام كثير وما نقل عن القفال نقل عن الصيدلاني وقد علمت النصين فيه وأطلق في الوسيط التصوير والنقل عنهما من غير تخصيص بحربي ولا ذمي ولكن الموقف ما تقدم انتهى.

<<  <  ج: ص:  >  >>