للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وُجُوبُ مَهْرِ المثل؛ لأن سبَب الفَسْخ قد يقدَّم على الدخول، فكأنه وُجِدَ يوْمَ العَقْد، وعلى هَذَا، جرى أئمَّتنا العراقيُّون، وربَّما اقتصروا عَلى وجوب مهر المثل، ولم يذْكُروا فيه خلافاً، ورجَّح جماعة قولَ وجُوب المُسمَّى وزاد الإِمام، وَصَاحِبُ "الْكِتَابِ" فقالا: "إذا جرى الفَسْخُ بَعْدَ الدخول يجب المسمَّى، ولا يجري فيه القولُ المنصوصُ في العُيُوب أنه يجِبُ مَهْر المثْل فيه" ووجَّهاه بأنَّ المهْر للسيد لاَ لها، وهو بالإِعتاق محْسِنٌ إليها، فلا ينبغي أنْ يُرَدَّ إلى مهر المثل، وقد يعترض عليه الأولون، بأنَّ مهْرَ المِثْل قد يزيدُ علَى المسمَّى، وبتقدير أن يزيد المسمَّى، فلا يبعدُ أن يجب الردُّ إلى مَهْرِ المثْل قضية للفسخ، وإن لم يكن المهرُ لَهَا، كما يسْقُطُ جميعه، إذا فَسَخت قَبْل الدخول، وسواءٌ وَجَبَ مهْر المثل أو المسمَّى، فإنَّه للسيد، وكذا لو اختارَتِ المُقَامَ معه، وجرَى في العقد تسمية صحيحة أو فاسدة، فَالْمَهْرِ للِسَّيِّدِ، لأنَّه وجَبَ بالعقْد، وإن كان السيد زوَّجَها على صور: التفويض، فإن دخل بها الزوْج، أو فرض لها قبل العِتْق، فهو للسيد أيضاً، وإن عتقت، ثم دخل بها، أو فرض لها فقولان: في أن الْمَهْرَ لها، أو للسيِّد؛ بناءً على أنَّ مَهْرَ المفوِّضة يَجِبُ بالعَقْد، أو بالفَرْض، أو بالدخول.

المسألة الثالثة: خيارُ العِتْقِ على الفَوْر في أظهر القولَيْن، كخيار العَيْبِ في البيع وغيره.

وَالثَّانِي: على التَّرَاخِي؛ لأنه رُوِيَ أن زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ يَطُوفُ خَلْفَهَا، وَيبْكِي؛ خَوْفاً: مِنْ أَنْ تُفَارِقَهُ، وَطَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يَشْفَعَ إِلَيْهَا، فَلَمْ تَقْبَلُ، وَفَارَقَتْهُ (١)، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْفَوْرَ، لَبَطَلَ حَقُّهَا بِالتَّأْخِيرِ، واسْتغنَى عن الشَّفاعة، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلاَنِ:

أحدهما: أنه يمتدُّ ثلاثَةَ، أيام: لأنَّها قد تحتاجُ إلَى نَظر وَتَأمُّلٍ، لتَعْرِفَ المصلحةَ، ومدة الثَّلاَثِ قريبةٌ، وهي مدةُ التروِّي في الشَّرْع.

والثَّاني: تمتدُّ إلى أن تصرِّح [بإسقاطه] (٢) أو تُمَكِّنَ من الوطء طائعةً؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِبَرِيرَةَ: "إِنْ كَانَ قَرَبَكِ، فَلاَ خِيَارَ لَكِ" (٣) وعن حَفْصَةَ -


(١) أخرجه أحمد والبخاري وغيرهما من حديث ابن عباس وقد تقدم.
(٢) في ز: بانتقالها.
(٣) أخرجه أبو داود [٢٢٣٦] رواه الشَّافعي [١٦٠٩] عن عائشة بهذا، والبزار من وجه آخر عنها، قوله: وعن حفصة مثل ذلك، مالك في الموطإ رواه الشَّافعي شهاب عن عروة: أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء أخبرته أنها كانت تحت عبد، وهي أمة نوبية فعتقت، قالت: فأرسلت إلى حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدعتني، فقالت إني مخبرتك خبراً، ولا أحب أن تصنعي شيئاً، إن أمرك بيدك ما لم يمسك زوجك، قالت: فارقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>