والثاني: المَنْع؛ لأن اللفظ بمجرده لا يصْلُح لما يدعيه، ومجرَّد النية لا يعمل ومعنى التدين مع نفي القبولِ ظاهراً أن يقال للمرأة: أنْتِ بائنٌ بثلاث في ظاهر الحكم، وليس لَكِ مطاوعتُه إلاَّ إذا علمْتِ صدْقه، أو غلب على ظنِّكِ بقرينة أو أمارة، ويقال للرجل: لا نمكنك من تتبعها ولك أن تتبعها والطلب فيما بينك وبين الله -تعالى-، وتحِلُّ لك إذا راجَعْتَها، وهذا هو المراد بما بما يروى عن الشافعيَّ -رضي الله عنه- رحمه الله أنه قال: لَهُ الطَّلب، وعَليْهَا الهَرَبُ، وعلى هذا القياس حكم القبول ظاهراً وباطناً، فيما إذا قال للصغيرة: أنتِ طالقٌ للسُّنَّة، ثم قال: أردتُّ إذا حاضتِ وطهرة وفيما إذا قال: أنت طالق، ثم قال: أردت إن دخَلتِ الدارَ أو إذا جاء رأس الشهر، وألحق صاحب الكتاب بهذه الصورة ما إذا قال: أنْتِ طالقٌ، ثم قال أردت إن -شاء الله- وقال كلُّ ما يحوج إلى تقييد الملفوظ به بقَيْد زائد، فهو كذلك، وحَكَى القاضي الرُّوياني هذا الجواب عن القَفَّال، والمشهور في كتب كبار المَذْهَب: أنَّه لا يدين في قوله: أردت إن شاء الله، وَيدِينُ في قوله: أردتُّ عن وثاق أو إن دخلَتِ الدار أو إن شاء زيْدٌ، وهذا ما أورده صاحب "التهذيب"، وذكر القاضي الرُّويانيُّ أنه ظاهر المذهب، وفرقوا بين قوْلِه: أردتُّ "إن شاء الله" وبين سائِرِ الصور بأن التعليق بمشيئة الله برْفَع حُكم الطلاق جمْلة، فلا بدّ فيه من اللفظِ، والتعليقُ بالدخول لا يرفعه جُملةً، ولكنه تخصيص بحالٍ دون حال، وقولُه "من وثاق" تأويلٌ وصرف اللفظ من مَعْنًى إلى معنًى، فَكفَتْ فيه النية، وإن كانت ضعيفة، وشبهوا ذلك بأن النَّسخ لَمَّا كان رفعاً للحكم، لم يجُزْ إلا باللفظ والتخصيص يجوز بالقياس، كما يجوز باللفظ، وأما إذا أتى بلَفْظ عامٍّ وقال: أردتُّ بعض الأفراد الداخلة تحْتَه، فقد قال الشَّافعي -رضي الله عنه- في المختصَر ولو قالَتْ له طلِّقْنِي، فقال: كل امرأة لي طالِقٌ، طُلِّقَتِ امرأته الَّتي سألتْه إلا أن يكون عزلها بنيته، وظاهر هذا النص أنَّه إذا قال: نسَائِي طوالقُ أو كل امرأة لي طالق، وعزل بعضهن بالنِّيَّة، لا يقع عليها الطلاق، واختلف الأصحاب في ذلك على وجهَيْن، قال أكثرهم: يقع الطلاق ظاهراً، ولا يُقْبَل قوله في الحكم؛ لأن اللفظ عامٌّ متناول لجميعهن؛ فلا يتمكن من صَرْف مقتضاه بالنية، كما إذا قال: أنتِ طالقٌ، وقال: أردت إذا جاء رأس الشهر، وهؤلاء تكلموا في النصِّ من وجهين:
أظهرهما: الحَمْل على أنها لا تطلَّقُ بينه وبين الله تعالى.
والثاني: قيل: إنَّ لفْظ النَّصِّ "إلاَّ أن يكونَ عزلها، في نيته" وهي الاستثناء الظاهر، ويُحْكَى هذا عن أبي علي الطبسي قال في "البسيط": وفي هذا نسبة الأصحاب إلى التصحيف، ثم في الحروف تفاوتٌ بعيداً، وقال أبو حفص بْنُ الوكيل: يُقْبَل قولُه في الظاهر؛ لأن استعمال العَامِّ في الخاص شائع مشهورٌ، والخلاف في القبول الظاهر يجري، سواءٌ كانت هناك قرينة تصدِّقه، كما إذا خاصَمتْه المرأة: وقالت: تزوجْتَ