للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال لزوجتَيْهِ: إحداكما طالقٌ، فأما أن يَقْصِدَ واحدةً بعينها، وإما أن يُرْسِلَ اللفظ، ولا ينوي معيَّنة.

إن قَصَد واحدة بعينها فهِيَ المطلقة، واللفظ الصالِحُ لهما إذا انضمت إلَيْه النية الصادرة المعينة، كان مقتضاها وقوع الطلاق على ما هو سَبِيلُ الكنايات، ويحتاج، والحالة هذه، إلى تبيين الزوج؛ لتعرف المطلَّقة.

وإن أرسل اللفظ ولم يَقْصِد معيَّنة، وقَع الطلاق على واحدة منْهما، ويرجع إلى الزوج في تعينها، والقسمان يشتركان في أحكام، ويفترقان في أحكام، والنَّظَر في النوعَيْن يتعلَّق بحالة الحياة وبما إذا طرأ المَوْت، ونُورِد في هذا الفَصْل ما يتعلَّق بحال الحياة، وفي الذي يليه ما يتعلَّق بحال حدوث الموْت.

أمَّا الأول ففيه مسائل:

الأولى يُؤْمَر الزوج بالتبيين إذا نوى واحدة بعينها، وبالتعيين إذا لم يَنْوِ؛ ليرتفع جنسه عمَّن زال ملْكه عنْه، ويُمْنَع من قربانهما إلى أن يبين أو يعين، وذلك بالحيلولة بينه وبينهما؛ لأن المحْظُور اختلط بالمُبَاح، فيمنع من الكُلِّ، كما لو اختلطت أُخْتُه من الرضاع بأجنبية، مُنِعَ من نكاحهما جميعاً، ويلزمه التعيين أو التبيين على الفور فلو أخَّر عصى، وهذا فيما إذا أَرْسَلَ اللفظ، ولم ينْوِ واحدة، وشُبِّه بما إذا أسلم وتحْته أكثر من العَدَد الشرعيِّ حيث يُؤْمَر باختيار أربع، وإذا وجب البِدَار، والحالة هذه، مع أنه يحتاج إلى ضَرْب من النَّظر والتروي، فَلأَنْ يجِبَ فيما إذا قَصَد واحدة بعينها, ولا حاجةَ إلى النظر والتروي، أوْلَى، فإن امتنع حُبِسَ وعُزِّرَ، ولا يقنع منْه بقوله: "نسيتُ المعيَّنة" وإذا بين في الحالة الأولى، فللأخرى أن تَدَّعِي عليه، أنَّك عنيتني وتُحَلِّفَه، فإن نَكَل، حَلَفَت وطلقتا وإذا عيَّن في الحالة الثانية، فلا دَعْوى؛ لأنَّه اختيار ينشئه، وكأنه طلَّق واحدة؛ ابتداء، وهذا كلُّه في الطلاق البائن، ولو أبهم طلقة رجعيَّة بينهما، فهل يلزمُه أن يبيِّن أو يعيِّن، حكى الإِمام فيه وجهَيْن:

أحدهما: المنع؛ لأن الرجعية زوجة.

والثاني: يلزمه لحصول التحريم، قال: والأصح الأول، ويجوز أن يعلَّم قوله في الكتاب "لزمه التعيين بالميم؛ لأن عن مالك أن في صورة الإِبهام والإِرسال يُطَلَّقَان معاً، وبالألف؛ لأن عند أحمد يُعيِّن المطلقة بالقرعة.

الثانية: يلزمه الانْفَاق عليهما إلى البيان أو التعيين، وإذا بَيَّن أو عيَّن، فلا يسترد المصروف إلى المطلقة لأنها محبوسة عنْده حبْس الزَّوْجَات.

الثالثة: وقوع الطلاق فيما إذا نَوَى طلاق واحدة بعينها، يحصل بقوله إحداكما

<<  <  ج: ص:  >  >>