طالقٌ وتحسب عدة التي بين الطلاق فيها من وقْت اللفظ، وخرج قول أنَّها تُحْتَسَب من حين البيان، وبُنِيَ القولان على القولين في أن المستفرشة بالنكاح عِدَّتُها من آخر وطئة أو من وقْت التفريق بينهما، ووجْه الشبه أن الأمر ملتبس هاهنا إلى البيان، كما أنَّه ملتبِسٌ هناك إلى التفريق، قال الإِمام: وهذا غير سديدٍ، والصورتان مفترقتان؛ لأن غِشْيَان الواطئ بالشُّبْهة ومخالطته إياها ينافي صورة الانعزال الَّتي أُمِرَتْ بها المعتدَّة، وهاهنا الحيلولة ناجزةٌ إلى أن يوجد البيان.
وأمَّا إذا عيَّن، ولم يكن نوى من الابتداء معيَّنةً، فيقع من وقت التلفظ بقوله:"إحداكما طالق" أو من وقت التعيين؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنَّه يقع من وقت التلفظ، لأنَّه جزم بالطلاق، ونجَّزه، فلا يجوز تأخيره إلا أن محلَّه غيْر متعين، فيؤمر بالتعيين؛ ولأن التعيين يبين التي اختارها للنِّكاح، فيكون اندفاع نكَاح الأخرى باللفظ السابق، كما أن التعيين فيما إذا أسْلَم على أكثر من أربع لما تبين به مَنْ يختارها للنكاح كان اندفاع نكاح الأخريات بالإِسلام السابق.
والثاني: من وقت التعيين لأن الطلاق وقت التعيين؛ لأن الطلاق لا يَنْزِلُ إلاَّ في مَحَلٍّ معين، وربما عبر عن هذا الخلاف بأن التعيين تباع موقع وإيقاع، وقد يعبر عنْه بأن إرسال اللفظ المُبْهِمِ إيقاعُ طلاق، أو التزامُ طلاق في الذِّمَّة.
وعن القاضي الحُسَيْن؛ يُشْبِه بها الخلاف في أن القِسْمَة بيع أو إفراز حتى من حيْث إنَّا إذا جعلناها إفرازاً قلنا: إنه يبين بالآخرة ما كان حقًّا لكل واحد منهما، ويضاهي قولنا: إن المطلقة كانَتْ هذه المعينة، وإذا جعلناها بيعاً قلنا: إن من خَرَج له الجانب الشرقيُّ، باع حصته من الغربي بحصة صاحبه من الجانب الشرقي، وكان ذلك الحصار من قِبَل شائعين في القسمين فبالقسمة ثبت اختصاص كُلِّ واحد منْهما بما خَرَج له، ويضاهيه المصير إلى وقُوع الطَّلاق بالتعيين من غيْر إسنادٍ إلى اللفظ، واضطربوا في الرَّاجِح من الوجهين، فرَجَّح مرجِّحُون الوقوع عنْد التعيين، منْهم الشيخ أبو علي، وقال: ظاهر المذهب أن التعيين إيقاع الطَّلاق؛ لأنَّه وإن أرْسَل الطلاق، فلا يَقَع على واحدة منهما، حتى يُعَيِّن، فإذا عيَّن وَقَع، وكان ذلك بمنزلة قوله: من دخل منْكما الدار فهي طالقٌ، فإذا دخلَتْ إحداهما طُلِّقَتْ عنْد الدخول بالقول السابق.
وذهب الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيِّب والروياني وآخرون إلى ترجيح الوُقُوع عند التلفظ، وقالوا: لولا وقوع الطَّلاق، لَمَا مُنِعَ منهما (١)، واستبعدوا التحريم قبْل وقوع الطلاق، والنَّفْسُ إِلى قَبُول هذا أَسْرَعُ، والله أعلم.
(١) قال النووي: هذا الذي قاله أبو حامد وموافقوه هو الصواب.