للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السابقة، وهي ما إذا قال: أنْتِ طالقٌ للشهر الماضي، والصحيح المعروف أنَّه لا يقع قولاً واحداً، والفرق أن القُدُوم يمكن أن يتأخَّر عن شهْر، ويمكن أن يتقدَّم، والطلاق في الحقيقة معلَّق بزمان يكون بينه وبين القُدُوم شهْرٌ، فوجب اعتبار الصفة، وهناك لا تعليق، وإيقاع الطلاق في الزمان الماضي مُحالٌ، فلُغِيَ، وإذا لم يَقَع الطلاق، فتنحل اليمين، حتى لو ضربها بعْد ذلك، وقد مَضَ شهْرٌ، أو أكثر، لم يَقَع الطلاق.

قال الإِمام -رحمه الله-: ولو قال قائِلٌ: الضرْب المعقود علَيْه ضرْبٌ يقع الطلاق قَبْله بشهر، فلا تنحل اليمين بالضَّرب الأول؛ لما كان بعيداً تخريجاً، على أن المعلَّق عليه إذا وُجِدَ في حال البينونة، لا ينحَلُّ اليمين على ما سبقَتْ حكايته عن الإِصطخري، وإن وُجِدَ الموت أو القُدُوم أو الضرب بَعْد مضيِّ شهر من وقت التعليق، تَبيَّن وقوع الطلاق قبْله بشَهْر، وبحسب العدَّة من يومئذٍ، ولو ماتت وبينها وبيْن القدوم دون شَهْر، لا يرث الزوج منْها، وعن أبي حنيفة أنه يقع الطَّلاق في صورة القدوم، والضرب في الحال، وسَلَّم في صورة الموت الوقوع قبله بشَهْر، ولو خالَعَها قبل قدوم فلان أو موته، فإن كان بين الخُلْع وبين قدوم فلان أو موته أكْثَرُ من شهْر وقَع الخُلْع صحيحاً، ولم يقع الطلاق المعلَّق، وإن كَان بينهما دُون شَهْر، والطلاق المعلَّق ثلاثٌ، فالخُلْع فاسِدٌ، والمال مردود، ولو علَّق عتق عبده كذلك، ثم باعه، وبَيْن البَيْع وموت فلانٍ أو قُدومه أكثر من شَهْر، صحَّ البيع ولم يحصل العتق.

الرابعة: إذا قال: أنت طالقٌ غداً أمْسِ، أو أمْسِ غَد، على الإضافة وقع الطلاق في اليوم لأنه عند أمس وأمس غد ولو قال: أمسِ وغداً أو غداً أمس، لا على الإِضافة، طُلِّقَتْ إذا طلع الفجْر من الغد، ويلغو ذكر الأمس، هكذا أطلقه في "التهذيب" ونقل الإِمام مثْلَه فيما لو قال: أنتِ طالقٌ أمس غداً، وأبدى فيه توقُّفاً؛ لأن قوله أنتِ طالقٌ أمسِ، كقوله أنتِ طالقٌ الشهر الماضي، ولو أطلق هذا اللفظ لتنجز الطَّلاق في الحال، فذِكْر الغَد معه لا يغيِّر هذا المعنى، ولا يقتضي تأخير الطَّلاق، ولو قال: أنتِ طالقٌ اليوم غداً وقَعَتْ في الحال طلقةٌ، ولا يقع الغد أخرى؛ لأنها إذا طُلِّقت اليوم، كانَت طالقاً غداً أيضاً ويُحْتمل أنه لم يُرد إلا ذلك، فلو قال: أردتُّ اليوم [طلقةً] (١) وغداً طلقةً، طُلِّقَت كذلك، إذا لم تبين (٢) بالأولى، وإن قال: أردتُّ إيقاع نصْف طلقة اليوم، ونصف طلقة غداً، فكذلك تطلق طلقتين، وإن قال: أردتُّ أن تقع نصْف طلقة اليوم، ونصْفها الآخر غداً، ففي وجه تُطلَّق طلقتين أَيْضاً والأشْبَه أن لا تقع إلا واحدةً لأن النِّصْف الَّذي أخره قدْ تعجل، وهذا ما أورده في "التتمة" وحكى فيما لو قال: أنتِ طالقٌ غداً اليوم، وجهان:


(١) سقط في ز.
(٢) في أ: ينوِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>