للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: تبطل كما في الصلاة.

وأظهرهما: وبه قال أبو حنيفة: لا كما في الحج.

والفرق بين الصوم والصلاة أن الصلاة يتعلق تحرمها وتحللها بقصد الشخص واختياره، والصوم بخلافه، فإن النَّاوي ليلاً يصير شارعًا في الصوم بطلوع الفجر وخارجًا منه بغروب الشمس، وإن لم يكن له شعور بهما، وإذا كان كذلك كان تأثر الصلاة بضعف النية فوق تأثر الصوم، ولهذا يجوز تقديم النية على أول الصوم وتأخيرها في الجملة عن أوله، ولا يجوز ذلك في الصلاة، والمعنى فيه أن الصلاة أفعال وأقوال، والصوم ترك وإمساك والأفعال إلى النية أحوج من الترك.

إذا تقرر ذلك فقوله في الكتاب: (وكذا يحرم الخروج) مقطوع عما قبله على ما أشعر به كلام المعظم، ولا جريان للوجهين في سورة التردد، وعلى ما رواه ابن الصباغ: يجوز صرف الوجهين إلى الصورتين، والأول هو قضية إيراده في "الوسيط".

المسألة الأخرى: لو شك في صلاته في أنه هل أتى بالنية المعتبرة في ابتدائها، سواء شك في أصلها أو في بعض شروطها، فينظر: إن أحدث على الشك ركنًا فعليًا كالركوع والسجود بطلت صلاته، وإن أحدث ركنًا قوليًا كالقراءة والتشهد فهل هو كالفعلي حتى تبطل الصلاة بمضيه على الشك أيضاً؟ اختلف الناقلون فيه: فمنهم من قال: لا فرق بأن المأتي به على التردد غير محسوب فلا بد من إعادته والأركان الفعلية إذا زيدت عمداً بطلت الصلاة، ولئن عد معذوراً في الإعادة فهو غير معذور في الإنشاء على الشّك، بل كان من حقه التوقف، وأما الأركان القولية فزيادتها عمداً لا تبطل الصلاة فلا يضر إحداثها على التردد، وهذه الطريقة هي المذكورة في الكتاب فإنه قال: (ومضى مع الشك ركن لا يزاد مثله في الصلاة) وقصد به الاحتراز عن القراءة والتشهد ومد الطمأنينة، وهذا مبني على ظاهر المذهب في أنه لا تبطل الصلاة بتكرير الفاتحة والتشهد عمداً بخلاف تكرير الركوع والسجود.

وفيه وجه منقول عن أبي الوليد النيسابوري وغيره، أن تكرير الفاتحة كتكرار الركوع، فلا فرق على ذلك الوجه، ومنهم من سوى بين الأركان القولية والفعلية وعللوا البطلان بأن المأتي به على الشك إذا لم يكن محسوباً فالاشتغال به تلاعب بالصلاة، فليمتنع مما ليس من الصلاة ولا فائدة فيه، وليتوقف إلى التذكر، وهذه الطريقة أظهر، وبها قال العراقيون ورووها عن نص الشافعي -رضي الله عنه- وليكن قوله: (لا يزاد مثله في الصلاة) معلماً بالواو لأنه مذكور للتقييد، ولا تقييد على هذه الطريقة الأخيرة وإن لم يحدث شيئاً من فروض الصلاة على التردد حتى يذكر النية نظر: إن قصر الزمان لم يضر أيضاً؛ لأنه معذور في عروضه وكثيراً ما يعرض الشك ويزول فيعفى عنه، وإن طال فوجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>