للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَكى في العقارب عن مالك أنَّه لا حَنثَ علَيْه، وأن الشافعيَّ والنعمان ساعَدَاه، واعترض بأنَّه ليْس التحليل والتحريم من الأيمان في شَيْء، ومن حلف أن يعصي الله، فلم يعصه، حَنَث، وإن عَصَى بر، وقد قيل: إن المذهب ما قاله المزنيُّ، وهو اختيار القَفَّال.

وقيل: هو على الخلاف من فَوَات البِرِّ بالإِكراه، وأنَّه لو قال: إن لم أُشْبِعْك من الجِمَاع الليلةَ، فأنتِ طالقٌ، فقد قيل: يبر إذا جامعها (١)، وأقرت بأنها أنْزَلَتْ.

وقيل: ويعتبر مع ذلك أن تقول: لا أريدُ الجَمَاع ثانياً، فإن كانت لا تُنْزِل، فيجامعها إلى أن تَسْكُنَ لذَّتُها، فإن لم تَشْتِه الجماع، فيُحْتَمَل أن يبنى على تعليق الطلاق بصفة مستحيلة، وأنه لو قال: أنتِ طالقٌ الطلقة الرابعة، هل تُطلَّق، فيه وجهان يقربان من الخِلاَف في التعليق بالمحال وأن الوكيل بالطلاق إذا طَلَّق زوجة موكِّله، هل يحتاج إلى أن يَنْوِي إيقاع الطلاق عَنه فيه وجهان الأقرب، أنَّه لا يحتاج.

وأنه لو قال: إن بتّ عنْدك الليلة، فأنتِ طالقٌ، فبات في مسكنها، وهي غائبةٌ، لم تُطَلَّق؛ لأن البيت عنْدها يفتقد إلى حُضُورها، وأنَّه لو طار طائرٌ، فقال: إن لم أصْطَدْ هذا الطائر اليوم، فأنتِ طالقٌ ثم اصطاد طائرًا، وادَّعَى أنَّه ذلك الطائرُ يُقْبَل قولُه؛ لأنَّه محتمل، والأصْل بقاء النِّكَاح، ولا ظاهر يخالفه، فإن قال الخالف: لا أعرِفُ الحال واحتمل الأمرين، فيجوز أن يقال بوقوع الطلاق؛ لأنَّ الأصْل أنَّه لم يَصْطَد ذلك الطير، ويجوز أن يُقَال بخلافه (٢)؛ لأن الأصْل بَقَاء النِّكَاح.

في المسائل المشتركة من تخريج إسماعيل البوشنجي؛ أن أبا حنيفة سُئِل عن رجُل قال: إذا بلَغ ولَدي الختان، فلم أخْتِنْه، فامرأتي طالقٌ، قال والَّذي أراه أنَّه إذا بلغ حدًا يحتمل الختان، فلم يختنه، يحنث، لأنَّه لم يُرِدْ توقيته في وقته، فيتقيد بوقْت الإِمكان، كما لو قال: إذا بَلَغ ولدي التعلم (٣)، فلم أعلمه، يتقيد بوقت إمكان التعلم (٤)، وأنه لو قال إن ساكَنتْ فُلانًا شهر رمضان، فالحنث يتعلق بالمساكنة معه في جميع الشَّهْر، ولا يحنث بالمساكنة ساعةً، وبه أجاب إمام العراقيين لمَّا راجَعْتُه يعني أبا بكر الشاشيَّ، وعن محمد بن يحيى أنَّه يحنث بالمساكنة ساعةً من الشهر، كما لو حلَف لا يكلِّمُه شهْر رمضان، يحْنَث بالتكليم مرَّة، وأنه لو قال امرأته طالقٌ إن أفطر بالكُوفة، وكان يوْم الفِطْر بالكوفة، لكنه لم يأْكُل في يومه، ولم يشرْب، فقياس قوْلِنا أنَّه لا


(١) في ز: وإن جامعها.
(٢) قال النووي: الأصح عدمه كما سبق في آخر الباب الرابع في المسألة: أنتِ طالقٌ إن لم يدخل زيد اليوم الدار، وجهل دخوله.
(٣) في ز: التعليم.
(٤) في ز: التعليم.

<<  <  ج: ص:  >  >>