للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: المنع؛ لأن الإمساك باستدراك ما أصابه حَلَلٌ، وإنما يُشْعر بالاستدامة والاستصحاب، وهو معنى قوله تعالى: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب: ٣٧] ولو قال: تزوجتك أو نكحتك، فوجهان: أحدهما: أنهما صريحان في الرجعة لأنهما صالحان لابتداء العَقْد والحلِّ، فَلأَن يَصلُحَا للتدارك وتقويمِ المتزلزل (١) أوْلَى.

وأصحهما: على ما ذكره في "التهذيب": المنْعِ؛ لأنهما غير مستعملَيْنِ في الرجْعة، ولأن ما كان صريحًا في شيْء لا يكون صريحًا في غيره، كالطلاق والظهار، فهما صريحان في ابتداء العقد وعلى هذا، فوجهان:

أحدهما: أنهما كنايتان، ويُحْكَى ذلك عن القاضي، ووجْه المنع أنه لا إشْعار فيهما بالتدارك وإعادة الحل، وهذا في قول الزوْج "نكحتك أو تزوجتك" وحده، ويجري الخلاف فيما لو إذا جرى العقْد على صورة الإيجاب والقبول.

قال القاضي الرُّويانيُّ في "التجربة": لو عقد على الرجعية نكاحًا جديدًا، قال بعض أصحابنا (٢): يحلُّ؛ لأن العقد آكَدُ في الإباحة.

وقال ابن أبي أحمد: لا يحل، قال: والأول أظهَر (٣).

والصحيحُ صحَّةُ الرجعة بغير العربية من اللغات، وهو الذي أورده الأستاذ أبو منصور البغدادي، وقال: ترجمة اللفظ بالفارسية (ترابزنى باخويشتن كرفتم) (٤) أو (ترابازنى خويشتن أوردم) (٥)، ولك أن تقول: هذا الثاني أولى، والأول يستعمل وحده، لكن اللفظة قد اشتهرت في العربية، وترجَمَتُهَا بالفارسية وحْدها لم يَشْتَهِر، فكذلك اعتبر التعريض لمعنى النكاح بالفارسيَّة، وحكى القاضي ابن كج عن أبي الحُسَيْن طريقةٌ أنه إن أحسن العربية، لم تَصحَّ رجعته بالفارسية، وإن لم يحسنها، فعلى وجهَيْن، وعن أبي حامد طريقةٌ أخرى: إن أحسنها، فعلى وجهَيْن، وإن لم يحسْنها صحَّت بالفارسية، بلا خلاف.

وقوله في الكتاب "وصريحُها قولُه رَجَعْتُ" و"رَاجَعْتُ" و"ارتَجَعْتُ" يعني إذا اتَّصَلتْ بمُظْهَر أو مُضْمَر، بأن يقول: راجعْتُ فلانة أو راجعتُكِ، فإما بمجرَّدها، فلا يخفى أنَّه لا يُغْنِي، وقوله "رددتُّها إلى النكاح" ففيه خلافٌ صريحٌ في إثبات الخلاف،


(١) في أ: المزلزل.
(٢) في أ: الأصحاب منا -رحمهم الله-.
(٣) قال النووي: ولو قال: اخترت رجعتك ونوى الرجعة، ففي حصولها وجهان حكاهما الشاشي، الأصح الحصول.
(٤) جملة فارسية معناها: لقد أخذتك زوجة لي.
(٥) جملة فارسية بمعنى: جعلتك زوجة لي.

<<  <  ج: ص:  >  >>