إحداهما: إذا آلَى عن امرأته، وهو غائب أو آلَى ثم غاب عَنْها، حُسِبَتِ المدَّة عليْه كما تحسب مدَّة حبسه، ولها أن تُوَكِّل من يطالبه، فإذا انقضت المدة، رفَعَه الوكيل إلى قاضي ذلك البلد، وطالبه، والقاضي يأَمْره بالفيئة باللسان في الحال للمانع الحسيِّ، وبالمسير إلَيْها أو يحملها إلَيْه أو بالطلاق، إن لم يفعل ذلك، فإن لم يَفئْ باللسان أو فاء به، ولم يَرْجِع إلَيْها, ولا حمْلها إليه حتى مضت مدَّة الإمكان، ثمَّ قال: ارجع الآن لم يمكن، والقاضي يُطَلِّق عليه بطلب وكيلها، على القول الأصحِّ، ويحبسه لِيُطَلِّق على القول الآخر، ويعذر في التأخير؛ ليهيئ أهبة السَّفر، ولخوف الطريق إلى أن يَزُول الخَوْف، ولو غاب عَنْها وهَرَب بعد مطالبته بالفيئة أو الطلاق، لم يرض منه بفيئة المعذورين، ولا يُمْهَل للمسير، ذكره أبو الفَرَج السرخسيُّ أو نحْوًا منه.
الثانية: إذا طولب، فادَّعى العُنَّة والعجز عن الفيئة، نُظِر؛ إن لم يدْخُل بها في ذلك النِّكاح سواءٌ كانت ثَيِّبًا أو بِكْرًا، وادعى العَجّز عن الافتضاض، ففيه وجهان:
أحدهما: أنها إذا صدَّقته أو كذبته، فحلف على العَجْز، لا يُطَالب بالفيئة الحقيقية، ولكن يطالب بفيئة المعذورين أو بالطلاق، إن امتنع عن فيئة المعذورين؛ لظهور عجْزه، فإن فاء، ضُرِبَت عدة العنة إن طلبته، فإن وطئ في المدة، فذاك، وإلا أمْضَى حُكْم العُنَّة، وهذا هو ظاهر النَّص، والمذكور في الكتاب.
والثاني: وبه قال أبو عليٍّ بن أبي هريرة والطبري: أنه يتعيَّن عليه الطلاق؛ لأنه متَّهَم في تأخير حقها والإضرار بها, ولأن من خُيِّر بين شيئين، وتعذر عليه أحدهما، تعيَّن الثاني، وإن كان قدْ دخل بها في ذلك النكاح، لم تسقط المطالبة، ولم يعتبر قوله؛ لأن العُنَّة بعد الوطء لا حُكْم له فتظهر تُهْمة الدَّفْع في قوله.
وقوله في الكتاب "وللقاضي أن يُطَلِّق" يعني تفريعًا على [القول الصحيح.
وقوله في الصورة الثانية:"لم يطلِّق"، أي القاضي، والله أعلم] (١).