للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني: في المصروف إليه، وهو ستون مسكيناً، ولا يجزئ الصرْفُ إلى واحِدٍ في ستِّين يوماً، ولا يجْزئ الصَّرْف إلَيْه دفْعةً واحدةً، واختلف الرُّويانيُّ في الصَّرْف في يوم واحدٍ لستِّين دفْعَةً، واحتج الشَّافعيُّ -رضي الله عنه- بأن قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] يشتمل على وَصْف، وهو المَسْكَنَة، وعلى عَدَدٍ وهوَ السِّتُّون، فكما لا يجوز الإخلال بالوصف، لا يجوز الإخلال بالعَدَد، كما أن قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فيه تعرُّضٌ لوصفٍ وعَدَدٍ وكما لا يجوز الإخلال بالوصف، لا يجوز الإخلال بالعَدَد، حتى لا تَكُونَ شَهادةٌ واحدةٌ كشهادةِ اثنين.

ولو جمع ستين مسكيناً، ووَضَع بيْن أيديهم سِتِّين مُدّاً، وقال: مَلَّكْتُكم هذا، وأطْلَق أو قال بالسَّويَّة، فقَبِلُوه، جاز وقال الإصْطخريُّ: لا يجوز (١)؛ لأن علَيْهم مُؤْنَةَ القِسْمَة، فأشبه ما لو دفع إليهم سنابل، والمذهب الأول، وهذه المؤنة خفيفة، ولو قال: خذوا، ونوى الكفَّارة، فإن أخذوا بالسوية، أجزاه، وإن أخذوا على التفاوت، لم يجزئه إلا واحدٌ، لأنَّا بَتَيَقَّنُ أن أحدَهُمْ أخَذَ مُدّاً، فإن تُيُقَّنَ أن عَشَرة أو عشرين منْهم قَدْ أخَذَ كلُّ واحد منهم مُدّاً، أجزأه ذلك القَدْر، وتدارك الباقي، ولو صَرَف الستين إلى ثَلاَثِين مسْكيناً أجْزأه منها ثَلاثُونَ مُدّاً، ويصرف إلى ثلاثين غَيْرهم ثلاثين مدّاً، ويستَرِدُّ الأمداد الزائِدَة من الأوَّلِينَ إن شَرَط كَوْنه كفَّارةً، وإلا لم يسترد، ولو صرف ستين مدًا إلى مائةٍ وعشرين، أجزأه من ذلك ثَلاثونُ مُدًّا، ويصرف ثلاثين مُدًّا إلى ستين منْهم يختارهم، فالاسترداد من الباقين على التفصيل المَذْكُور، ويجوز صَرْف الكفَّارة إلى الفقراء؛ فإنهم أشَدُّ حالاً من المَسَاكِين، ولا يجُوزُ صَرْف الكفَّارة إلى الكفار خِلافًا لأبي حنيفة في أهل الذِّمَّة، ولا إلى "الهاشِمِية" كالزكاة، ذكره صَاحِبُ "التهذيب" في فتاويه، ولا إلى من تَلْزَمُه نفقته؛ كالزَّوجة والْقَرِيب، ولا إلَى عبْد ولا مكاتَبٍ، خلافًا لأبي حنيفة في المُكَاتَب، ولو صرف إلى عبد بإذْن سيده، والسيِّد بصفةِ الاستحقاق، جاز؛ فإنه صَرْف إلى السَّيِّد وبغَيْر إذنه، يبنى على قَبُوله الوصية بغيْر إذن السَّيِّد، ويجوز أن يصرف [نصيب] (٢) المجْنون إلى الولي، ولا يجوز أن يَنُقص المَصْروف إلى الصغير (٣) عن المُدِّ، وإن كان يكْفيه اليسير، وعن الداركي: أن أبا إسحاق ذَكَر وجهاً: أنه إن كان الصَّغيرُ رضيعًا، لم يصح الصَّرْف له؛ لأن طعامه اللَّبَن دون الحَبِّ.

وحكى القاضي ابن كج فيما لو دَفَعه إلى الصَّغير، فبلَّغه الصغير وَلِيَّهُ (٤).

الفصل الثالث: في جنْسِهِ، وجنْسُ الطعام المُخْرَج في الكفَّارة جنْس الفطرة، وفي


(١) وصور في البيان المسألة بما إذا أقبضهم إياه فقبضوه ولا بد منه.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: للصغير.
(٤) في ز: وله.

<<  <  ج: ص:  >  >>