للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مثْله أو [من] (١) مراجعة الأطباء، فله أن يَعْدِل إلى الإطعام، ولا ينتظر زواله؛ ليصوم بخلاف ما إذا كان مالُه غائبًا؛ حيث لا يجوز له الصيام، بل ينتظر وصول (٢) المال؛ ليعتق، والفرق أن الله -تعالى- قَالَ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} ولا يقال لمن يملك مالاً جمًّا غائبًا عنه: إنه غير واحد للرَّقبَة، وقال في الصيام: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} ويقال للعاجز بالمرض الناجز: إنه غير مستطيع للصوم، وأيضاً، فوُصول المال يتعلَّق باختياره، والاختيار في مقدِّمات الشيْء، والسبب إليه، كالاختيار في نفسه، وزوالُ المرض لا يتعلَّق بالاختيار، وقضية كلام الأكثرين (٣): أنه لا يَجُوز الإطعام بمثْل هذا المرض، بل يعتبر في المرض أن يكون بحَيْث لا يُرْجَى زواله، وصرح صاحب "التتمة" بتشبيه المَرَض عنْد رجاء الزوال بالمال الغائب، حتى لا يعدل بسببه إلى الإطعام في غير كفَّارة الظهار، وحتى يجيءْ في كفارة الظهار الخلافُ المذكور فيها في المال الغائب، فلْيُعْلَمْ؛ لذلك قوله في الكتاب "يدوم شهرين" بالواو.

فإن جوَّزنا العدول إلى الإطعام مع رجاء الزوال، فأطعم ثم زال، لم يلزمه العَوْد إلى الصيام، وإن اعتبر ألاَّ يكون المرض مَرْجُوَّ الزوال، فلو كانْ كذلك، ثم اتفق الزوال نادرًا، فيشبه أن يُلْحَق بما إذا أعتق عبْداً لا يرجى زوالُ مَرَضه، واتفق الزوال (٤).

ولا يلحق السفر فيما نحن فيه بالمرض على الظاهر؛ لأنَّ المسافر مُسْتَطيع


(١) سقط في ز.
(٢) في ب: شطر وصول.
(٣) عبارة النووي: "مقتضى كلام الأكثرين" هو أصوب من كلام الرافعي حيث قال "وقضية كلام الأكثرين"، فإن التقييد إنما صرح به الشيرازي في المهذب والبغوي والمتولي والشاشي والجرجاني والذي يقتضيه كلام الأكثرين العدول بمجرد المرض لا يشترط فيه عدم رجاء الزوال، وممن أطلق المرض الشيخ أبو حامد وأتباعه من العراقيين والدارمي في الاستذكار والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ والروياني ومن المراوزة القاضي الحسن وأبو الفرج الباز في تعليقه والشيخ أبو محمَّد في مختصره والغزالي في خلاصته وعليه نص الشَّافعي في الأم.
(٤) قال النووي: وصرح كثيرون باشتراط كون المرض لا يرجى زواله، والأصح ما قاله الإِمام، قد وافقه عليه آخرون. وقال صاحب "الحاوي": إن كان عجزه بهرم ونحوه، فهو يتأبد، فله الإطعام، والأولى تقديمه، وإن كان يرجى زواله كالعجز بالمرض، فهو الخيار بين تعجيل الإطعام وبين انتظار البر للتكفير بالصيام، وسواء كان عجزه بحيث لا يقدر على الصيام أو يلحقه مشقة غالبة مع قدرته عليه، فله في الحالين الإطعام، وكذا الفطر في رمضان، قال: ولو قدر على صوم شهر فقط، أو على صوم شهرين فلا تتابع، فله العدول إلى الإطعام. قال إمام الحرمين في "باب زكاة الفطر": لو عجز عن العتق والصوم ولم يملك من الطعام إلا ثلاثين مدًا، أو مدًا واحداً، لزمه إخراجه بلا خلاف، إذ لا بد له، وإن وجد بعض مد، ففيه احتمال، وهذا كلامه، وينبغي أن يحرم بوجوب بعض المد للعلة المذكورة في المد. قال الدارمي في "كتاب الصيام": إذا قدر على بعض الإطعام، وقلنا: يسقط عن العاجز، ففي سقوطها عن هذا وجهان، فإن قلنا: لا تسقط، أخرج الموجود، وفي ثبوت الباقي في ذمته وجهان.

<<  <  ج: ص:  >  >>