للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية: إذا قذفهم بكلمة واحدة بأن قال: زَنَيْتُمْ أو أنْتُمْ زناةٌ، فقولان:

الجديد أنه يجب لكلِّ واحد منهم حدٌّ؛ لأن حد القذف من الحُقُوق المقصودة للعِبَاد، فلا تتداخل كالديون، وأيضًا، فإنه أدْخَل العار علَيْهم، فأشبه ما إذا قذَفَهم بكلمات متعدِّدة.

والقديم، وبه قال أبو حنيفة -رحمه الله- أنه لا يجب إلا حَدٌّ واحدٌ؛ لإتِّحاد اللفظ (١)، وأيضًا، فإنها حدُودٌ من جنس واحد، فتتداخل، كحدود الزنا، وعلى هذا، فلو حضر واحدٌ وطلب الحدَّ، حُدَّ له، وسقط حَدُّ الباقين، ولو قال: يَابْنَ الزانيَيْنِ، فهو قذف لأَبَوَي المخاطب بكلمة واحدة، ففيه القولان، ولو قذف أربع نسوة [له] (٢) بكلمةٍ واحدةً، فالحدُّ على الخلاف، وإن أراد اللِّعَان، فإن قلنا: يتعدَّد الحدُّ، تعدَّد اللعان، وإن قلنا: يتَّحِد الحدُّ ففي اللعان وجْهَان:

أصحهما: أنه يتعدَّد أيضًا؛ لأن اللعان يمينٌ، والأيمان المتعلِّقة بحقوق جماعة (٣) لا تتداخل؛ ألا ترى أنه إذا ادعى رجلان على رَجُل مَالاً فأنكر، يَحْلِفُ بكل واحدٍ منهما يميناً تامَّةً، والثاني، نسبه القاضي ابن كج إلى أبي إسحاق وابن القطان: أنه يَكْفى لِعانٌ واحدٌ جمعهن فيه بالاسم أو بالإشارة، إن إكتفينا بالإشارة؛ لأن هذه اليمينَ حجَّةٌ تثبت الحَدَّ، فأشبهت البينة، وكذا لو أقام شاهدًا على رجُل بحَقِّ وعلى آخر بحَقِّ آخر، يجوز أن يَحْلِف معه يمينًاواحدةً يذكر فيها الحَقَّيْن وإذا قلنا بالتعدَّد، فلو رَضِيْنَ بلعانٍ واحدٍ، لم ينفع، كما لو رضي المدعون بيمين واحدة إذا قلنا: ثم يلاعن عنهن على الترتيب الذي يوافقْنَ عليه، فإن تشاحن في البداية، أقرع بينهن، ولو قدَّم الحاكم واحدة منهن، قال الشافعيَّ -رضي الله عنه-: رجَوْتُ أن لاَ يأْثَم، ونقل القاضي أبو الطيِّب عن الأصحاب، أن ذلك فيما إذا لم يقصد تفضيل بعضهم على بَعْض، وتجنَّب الميل، وإن قلنا بالاتحاد، فذلك إذا توافَقْنَ على الطَّلَب أو لم يشْتَرط طَلَبُهن، أما إذا اشترط، وانفرد بعْضُهن بالطلب، فلاعن، ثم طَلَبت الباقيات، فيحتاج إلى اللعان، ويحصل التعدد، وإذا لاعَنَ عنهن، لزمهن الحدُّ، فمن لاعنت منْهن، سقط عنها الحدُّ، ومن أبَتْ حُدَّت، وإذا امتنع من اللعان، كفَاهُ حدٌّ واحدٌ على قَوْلنا باتحاد الحَدِّ، وجميع ما ذكرنا فيما إذا قذف اثنتين فصَاعِدًا بكلمة واحدة، ولم يعلِّق قذفهما بزنًا واحدٍ، فإن خلق كما إذا قال لأجنبية أو لزوجته: زنَيْتِ بفُلاَن، فطريقان:

أظهرهما طرد القولين في تعدُّد الحد واتحاده.


(١) في أ: اللفظين.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: الجمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>