للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما: تجوز المُخَارَجَة وهو ضرب خراجٍ معلوم على الرقيق يؤديه كل يوم أو كل أسبوع ممَّا يكتسبه، وليس للعبد أن يَجْبُر السيِّد عليها، ولا للسيد إجبار العَبْدِ كعَقْدِ الكتابة، وعن القاضي أبي حامِدٍ تخريجُ قولٍ: أن للسيد إجبارَ العَبْدِ عليها، كما ينقل منافعه على كُرهٍ منه إلى غيره، والمذهب الأول، وإذا تراضيا، فليكن له كَسْبٌ دائمٌ [يفي] بذلك الخراج فاضلاً عن نفقته وكسوته إن جعلهما في كسبه، وإذا وَفَّى وزاد ما يكفيه، فالزيادة مبرة من السيد إلى عَبْدِه وتوسيع للنفقة عليه، وإن ضرب عليه خراجاً أكثر مما يليق بحاله، وألزمه أداءه، منعه السلطان منه.

روي أن عثمان -رضي الله عنه- قال: "لاَ تُكَلِّفُوا الصَّغِيرَ الكَسْبَ؛ فَيَسْرِقَ، وَلاَ الأَمَةَ غَيْرَ ذَاتِ الصَّنْعَةِ فَتَكْتَسِبَ بفرجها" ويجبر النقصان في بعض الأيام بالزيادة في بعضها، ولا يخفى أن المُخَارَجَةَ لا تلزم وقوله في الكتاب: "ولا يتعين ما يضرب على العبد من خراج معيَّن" أي لا يلزم العَبْد ذلك، ولا يجبر عليه، ويجوز أن يُعْلَم بالواو؛ للتخريج المذْكُور.

ولا يجوز للسَّيِّد أن يُكلِّف رقيقَهُ من العمل إلا ما يطيقه، ولا يكلِّفه الأعمال الشاقة إلا في بعض الأوقات، ولا ما إذا [ما] قام به يوماً أو يومين، عَجَزَ وضَعُفَ شهراً أو شهرين، وإذا عمل بالنهار، أراحه بالليل، وكذا العكس، ويريحه في أيام الصيف في وقت القيلولة ويستعمله في الشتاء النهارَ مع طرفي الليل، ويتبع في جميع ذلك العادةَ الغالبة، وعلى العبد تَرْكُ الكسل، وبَذْل المجهود.

الثانية: إذا امتنع من الإنفاق على مملوكه، باعَ الحَاكِمُ مالَه في نفقته، وكيف يبيع؟ أيستدين عَليْه، فإذا اجتمع عليه شيْءٌ صالحٌ باعه فيه أو يبيع شيئاً فشيئاً؟ حكى القاضي الرويانيُّ فيه وجهَيْنِ (١)، فإن لم يظْهَر له مالٌ، أمره بأن يبيعه أو يُؤَجِّره أو يعتقه، فإن لم يفعل، باعه الحاكمُ أو أجَّره، فإن لم يرغب فيه، أنفق عليه من بيت المال، فإن لم يكن فيه مالٌ، فهو من محاويج المسلمين يقومون بكفايته (٢)، والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيجِبُ عَلَفُ الدَّوَابِّ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عِمَارَةُ العَقَارِ وَالدَّارِ، وَيَجُوزُ غَصْبُ العَلَفِ وَالخَيْطِ لِجِرَاحِ الدَّابَّةِ عِنْدَ العَجْزِ، وَلاَ يَجُوزُ نَزْفُ لَبَنَهَا


(١) قال النووي: الثاني أصح.
(٢) وإذا قلنا ينفق عليه من بيت المال فهل يكون قرضاً على سيده من حديث إن بيت المال لا حق فيه لرقيق ولا لكافر أو يكون تبرع من بيت المال من غير رجوع. فيه نظر. وهذا إذا كان الرقيق مسلماً، فإن كان كافراً فهل ينفق عليه من بيت المال يشبه أن يكون كالحر الذمي. وفيه كلام سبق في اللقيط. وقال الجوزي: لا يلزم المسلمين القيام بنفقة الكافر.

<<  <  ج: ص:  >  >>