للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: الفرق بين القصاص والدية وبه قال أبو الطيِّب بن سلمة، وحكاه صاحب "التهذيب" والإمام عن الاصطخريُّ.

وإذا فرَّعنا على وجوبِ القِصاص فيما إذا قَتَل مرتدٌّ مرتدّاً، فيجيْء في وجوب الدية مثْلُ هذا الخلاف، وفيَ الديةِ الواجبةِ يُقْتل المرتدُّ تفريعاً على قولِ مِنْ أوجبها؟ وجهان حكامهما القاضي الرويانيُّ أحدهما: دية المُسْلمين؛ لبقاءُ عُلْقة الإِسلام.

والثاني: أخسُّ الديات، وهي دية المجوسيِّ؛ لأنه لا دِينَ له، وهذا ما أورده صاحب "التهذيب".

وقوله في الكتاب: "والظاهر وجوبه للتساوي وإن كان الحربيُّ لا يقتل بالحربيِّ" يعني أنهما متساويان في الدِّين، متكافئان فلْيُقْتَل أحدهما بالآخر، بخلاف الحوبي مع المرتد، فإن الحربيَّ لم يلتزمْ أحكام الإِسلام، والمرتدّ التزمه فأديم حكمه عليه. وقوله: "فيما إذا قتله الذمي "في قول" "وفي قول" يجوز أن يُعْلَم بالواو؛ للطريقة القاطعة بِمَنْعِ القصاص.

وقوله: "ويجب القصاص سِيَاسَةً" أبدل في بعض النسخ لفظ "القصاص" بالقتل إشارةً إلى أنه يقتل به زجراً، وليس سبيلُه سبيلَ القصاص الذي تَخْلُفه الدية، لكن قضيَّة هذا إلحاقُه بالحُدُود وإخراجه عن أنَّ يكون حقُّ الوليِّ وأن لا (١) يؤثر عفوه فيه، وليس الأمر كذلك عند مَنْ يقتله به، فيَجُوز إبقاء لفْظِ "القصاص" بحاله وكذلك هو في "الوسيط".

وقوله: "لأنه مهدر" و"لكنه معصوم عن الذميِّ" لِيُحْتُلْ على ما قدَّمنا أن إهداره بالإضافَةِ إلى المُسْلِم دون الذِّمِّيِّ على ما فيه من الإشكال. والله أعلم.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: الخُصْلةُ الثَّانِيَةُ: الحُرِّيَّةُ فَلاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِرَقيقٍ كَمَا لاَ يُقْطَعُ يَدُهُ بِيَدِهِ، وَيُقْتَلُ الرَّقِيقُ بالرَّقِيقِ وَبالحُرِّ، ويَقُتَلُ المُسْتَوْلَدَةُ وَالمُكَاتَبُ بِالقِنِّ، وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنصْفُهُ عَبْدٌ لاَ يُقْتَلُ بِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لأنَّ تَخْصِيصَ جُزْءِ الحُرِّيَّةِ بِمِثْلِهَا غَيْرُ مُمْكِنِ، وَالإِشَاعَة تُؤَدِّي إلَى اسْتِيفَاءِ الحُرِّ بِالرَّقيقِ، وَلاَ قِصَاصَ بَيْنَ العَبْدِ المُسْلِمِ وَالحُرِّ الذِّمِّيِّ إِذِ الفَضِيلَةُ لاَ تُجْبَرُ بِالنَّقِيصَةِ، وَلَوِ اشْتَرَى المُكَاتَبُ أَبَاهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَفِي القِصَاصِ وَجْهَانِ، وَلَوْ قَتَلَ غَيْر أَبِيهِ مِنْ عَبْدِهِ فَلاَ قِصَاصَ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لا يُقْتَل حرٌّ برقيق ولا قِنٌّ ولا مُدَبَّرٌ ولا مكاتَبٌ ولا أمُّ ولَدٍ ولا مَنْ بعضُه رقيقٌ، سواءٌ كان هؤلاء له أو لغيره، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يُقْتَل الحرُّ بعبد الغير، واحتج الأصحاب بما رُوِيَ عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- أن


(١) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>