قَالَ الرَّافِعِيُّ: الثالث: إذا ضرب جماعةٌ واحداً بِسُيُوطٍ أو عصِيٍّ خفيفةً حتى قتلوهُ نُظِر؛ إن كانت ضرباتُ كلِّ واحد منهم قاتلةً، لو انفرد، فعليه القصاص، وإذا آل الأمر إلى الدية، فتُوزَّع عليهم جميعاً. ويكون التوزيع على عدَدِ الرؤوس أو على عدد الضربات؟ فيه قولان:
أحدهما: على عدد الرؤوس كما في الجراحات، لو جرَحَه واحدٌ جراحةً، والآخر جراحاتٍ توزع الدية على عدد الجارحين دون الجراحات.
والثاني: على عدد الضربات؛ لأن الضربات تُلاَقِي الظاهر، ولا يَعْظُم فيها التفاوتُ، والجراحاتُ تؤثِّر في الباطِنِ، ونكاياتُ الباطنِ كبيرةُ التفاوت لا يمكن ضبْطُها، فقَصَرْنا لذلك النظَرَ على الجارحين، وهذا الخلاف كالخلافِ فيما إذا زاد الجلاَّد على المائة، أو على الثمانين في الحدِّ يكون عليه نصْف الدية أو يُوَّزع على عَدَدِ الجلدات، وكالخلاف فيما لو استأْجَرَ دابَّة لحمل مائة مَنٍّ مثلاً، فزاد على المائة، وهو غير منفرد باليد، فتلفت الدابَّة؛ أن الضمان ينتصف أو يتوزَّع على مقدار المحمول، وقد سبق في الإجارَةِ ذكْرُ المسألتين، وأن الشيخ أبا محمد رجَّح قول التنْصيف، وأن الأقرب مقابِلُهُ، وإن لم يكن ضَرْبُ كلِّ واحدٍ منهم قاتلاً، كما لو اجتمع عددٌ كبيرٌ وضربه كلُّ واحدٍ ضربةً، فمات فقَدْ أطلق الإِمام وصاحب الكتاب فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه لا قصاص على واحدٍ منهم؛ لأن فِعْل كل واحد منهم ليس عمدًا مقتضياً للقصاص، ومَنْ عداه شركاؤه، ولا قصاص على شركاء الخاطئ، ولا شركاء صاحب شبه العمد.
والثاني: يجب؛ لئلا يصير ذلك ذريعةً إلى سفْكِ الدماء.
والثالث: أنهم إن تَوَاطَؤوا على أن يضربوا تلْكَ الضربات، لَزِمَهم القصاص، وإن وقَعَت اتِّفاقاً، لم يلزم، وتخالف الجراحات لا يُشْتَرط فيها التواطُؤُ لأن نفْسَ الجُرْح قَصْدٌ إلى الإهلاك والضرب بالسوط الخفيف لا يَظْهر فيه قصد الإهلاك إلا بالموالاة مِنْ واحدٍ أو المواطأةِ مِنْ جماعة، وهذا ما اختاره القاضي الحُسَيْن، وأورده أصحابُهُ، منهم صاحب "التهذيب" ثم رأى الإِمام طرْحَ الوجه الذاهب إلى وجُوبِ القِصَاص على الإطلاق، وقال: الوجه القَطْع بنفيه، إن لم يكن تواطؤٌ، وإن كان، فوجهان، وأيد وجه الوجوب؛ بأن هذه الضرباتِ إذا والَى عليها الواحِدُ، لزمه القصاص، وإن لم تكنْ واحدةٌ منهما عمْداً مقتضيًا للقصاص وكما لا يجب القصاص على شريك غير العامد، لا