للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما (١) إذا ظَهَرَ شَيْءٌ من الجَنِينِ من غير أن يُفَارِقَ الأُمَّ، وههنا وإن لم يَنْفَصِلِ الجَنِينُ بِتَمَامِهِ، ولكن وجد الانْفِصَالُ التَّامُّ في ذلك العُضْوِ، ولو أَلْقَتْ يَدَيْنِ أو رِجْلَيْنِ، أو رِجْلاً وَيَداً، فلا خِلاَفَ في وجوب تَمَامِ الغُرَّةِ، ولو أَلْقَتْ من الأيدي والأرجل ثَلاَثاً أو أرْبَعاً لم يجب إلا غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ؛ لأنه لا يتيقّن (٢) وجود جنينين (٣)، ويُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا لجنين وَاحِدٍ بعضها أصلية (٤)، وبعضها زَائِدَةٌ ولو أَلْقَتْ رَأْسَيْنِ فكذلك.

ويروى أن الشَّافِعِيَّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أخبر بامرأة وَلَدَتْ وَلَدًا له رَأْسَانِ، وكان إذا بَكَى بَكَى بهما، وإذا سَكَنَ سَكَنَ بهما. وفي [شرح] (٥) مختصر الجويني وجه عن صاحب "التقريب" أنه يَجِبُ في إِلْقَاءِ الرَّأْسَيْنِ والأيدي غُرَّتَانِ اعْتِبَاراً بالظَّاهِرِ، وإن أَلْقَتْ بَدَنَيْنِ وجبت غُرَّتَانِ؛ لأن الشَّخْصَ الواحد لا يكون له بَدَنَانِ بِحَالٍ.

هكذا أَوْرَدَ صاحب الكتاب وشَيْخُهُ، وصاحب "التهذيب" وغيرهم.

وحكى الروياني عن نَصِّ الشَّافعي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- خِلاَفَهُ، وجوز أن يكون لرأس بَدَنَانِ، كما جوز أن يكون لِبَدَنٍ رَأْسَانِ.

ولو ألقت بالجناية عُضْواً من يَدٍ أو رِجْلٍ، ثم أَلْقَتْ جَنِيناً، فله حَالَتَانِ:

إحداهما: أن يكون الجَنِينُ فقد (٦) ذلك العضو، فينظر إن أَلْقَتْهُ قبل الانْدِمَالِ وزوال أَلَمِ الضرب، فإن كان مَيِّتاً لم يَجِبْ إِلاَّ غُرَّةٌ وَاحِدَةٌ، ويقدر العُضْوُ مُبَاناً منه بِالجِنَايَةِ. وإن انْفَصَلَ حَيّاً، ثم مات من الجِنَايَةِ؛ وَجَبَتْ دِيَةٌ كاملة، ويدخل فيها أَرْشُ اليَدِ، وإن عاش فقد أطلق في "التهذيب" أنه يَجِبُ نِصْفُ الدية على عَاقِلَةِ الضَّارِبِ.

ونقل ابن الصَّبَّاغِ وغيره أنه يراجع القَوابل، فإن قلن: إنها يدٌ من لم تخلق فيه الحَيَاةُ، فالوَاجِبُ نِصْفُ الغُرَّةِ.

وإن قلن: إنها يَدُمْنَ خُلِقَتْ فيه الحَيَاةُ، فيجب نِصْفُ الدِّيَةِ.

وكذا إن عرفنا انْفِصَالَ اليَدِ منه بعد خَلْقِ الحَيَاةِ فيه بأن أَلْقَتِ اليَدَ، ثم انْفَصَلَ الجنين عَقِيبَ الضَّرْبِ، وإن شككنا في الحال اقْتَصَرْنَا على نصف الغُرَّةِ أَخْذاً باليقين، وليكن المُطْلَقُ مَحْمُولاً على هذا المفصل (٧).

وفرق بين هذه الصُّورَةِ، وبين ما إذا انْفَصَل الجَنِينُ مَيَّتاً، لا يراجع القَوَابل، هل كان حَيّاً؛ لأن هناك لم تثبت له الحَيَاةُ، بعد الانْفِصَالِ، فلم يعتبر ما كان في البَطْنِ،


(١) في ز: فما.
(٢) في ز: يعين.
(٣) في أ: جنين.
(٤) في ز: أصلها.
(٥) سقط في ز.
(٦) في أ: فقيد.
(٧) في ز: الفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>