للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقياس ما مَرَّ أن يقال: إن ضرب الثاني قبل الانْدِمَالِ، وانفصل مَيّتاً، وجبت الغُرَّةُ عليهما، وإن انْفَصَلَ حياً، وعاش، فعلى الأول حُكُومَةٌ، وليس على الثاني إلا التَّعْزِيرُ، وإن مات، فعليهما الدِّيَةُ.

وقوله في الكتاب:، "ولو ألقت يَدَيْنِ، ثم خرج جَنِينٌ حَيٌّ بلا يَدَيْنِ، فدية كاملة لليدين" يعني إذا عَاشَ، فأما إذا خرج حَيًّا، ومات من الجِنَايَةِ، فالواجب دِيَةُ النفس، ويدخل فيها أَرْشُ اليَدَيْن، ثم القَوْلُ بوجوب الدِّيَةِ إذا عاش يُوَافِقُ ما أَطْلَقَهُ في "التهذيب" فيما إذا ألقت يَدَاً وَاحِدَةً.

وقياس ما ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغ وغيره أن يُرَاجَعَ القَوَابِلُ، فإن قُلْنَ: إنهما يَدَا مَنْ لم تُخْلَقْ فيه الحَيَاةُ، فالواجب الغُرَّةُ دون الدِّيَةِ.

وقوله: "وإن كان سَلِيمَ اليَدَيْنِ فحُكُومَةٌ لهما" جَوَابٌ على الأَخْذِ بكون اليدين السَّاقِطَتَيْنِ يَديْنِ زَائِدَتَيْنِ لهذا الجَنِيْنِ.

وعلى قياس ما حَكَيْنَا في "التهذيب" و"التتمة" ينبغي أن تجب غُرَّةُ اليَدَيْنِ.

قال الغَزَالِيُّ: الطَّرَفُ الثَّانِي في المُوجِبِ فِيهِ وَهُوَ الجَنِينُ الَّذِي بَدَا فِيهِ التَّخْطِيطُ ولَوْ فِي طَرَفٍ من أَطْرَافِهِ وَإذَا أَدْرَكَتِ القَوَابِلُ كَفَى ذَلِكَ، لاَ شَيْءَ فِي إجْهَاضِ المُضْغَةِ وَالعَلَقَةِ قَبلَ التَّخْطِيطِ عَلَى الأَصَحِّ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: مَقْصُودُ الفَصْلِ الكَلاَمُ في الجنين الذي تجب فيه الغُرَّةُ، وقد مَرَّ في باب العدَّةِ أن الغُرَّةَ تجب إذا أسْقَطَتْ بالجِنَايَةِ ما ظَهَرَ فيه صُورَةُ الآدَمِيِّ من عين، أو يَدٍ، أو أصبعَ أو غيرهما، ويكفي الظُّهُورُ في طَرَفٍ من الأطراف، ولا يشترط أن يَظْهَرَ جميعِ الأَعْضَاءِ، ولو لم يظهر شَيْءٌ من ذلك، ولكن شهدت القَوَابِلُ بأن الصُّورَةَ فيه خَفيَّةٌ [يَخْتَصُّ أهل الخبرة بمعرفتها، فكذلك في الغُرَّةِ. وإن قلنا: ليس فيه صُورَةٌ خَفيَّةٌ] (١) ولكنه أَصْلُ الآدَمِيَّ، ولو بقي لتصور، ففيه طُرُقٌ:

أظهرها: أنه لا يجب فيه الغُرَّةُ، وإن شَكَكْنَ في أنه أَصْلُ الآدَمِيِّ أم لا، لم تجب بلا خِلاَفٍ. هذه أَحْكَامُ الأَحْوَالِ، والشَّرْحُ قد تَقَدَّمَ.

وقوله: "الذي بَدَأَ فيه التَّخْطِيطُ"، قد يُفَسَّرُ (٢) التَّخْطِيطُ بصورة الأَعْضَاءِ من اليد والأصبع وغيرهما. وقد يُفَسَّرُ بالشكل والتَّقْطِيع الكُلِّيِّ قبل أن تُمَيَّزَ آحَادُ الأَعْضَاءِ وهَيْئَاتُهَا، وهو الأكثر.


(١) سقط في ز.
(٢) في أ: يتبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>