للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله " [و] (١) يجب على قاضينا إمضاؤه" إن كان المراد منه إنَّ قاضينا لا ينقضه، وإذا استقام الأمر يمضيه، ولا نحكم بخلافه، فهذا لا خلاف فيه، وإن كان المراد أنَّه إذا كتب قاضيهم بما قضى به إلينا، ننفذه ونعمل بكتابه، وهو قضية إيراد "الوسيط"، فيجوز أن يُعْلَم بالحاء؛ لما روينا من مذهب أبي حنيفة، وبالواو؛ لما مر أن المستحَبَّ أن لا يُقْبل كتابهم، وأيضاً، فللطريقة الطاردة للخلافِ ويجوز أن يُعْلَم قوله "يقع موقعه" بالواو للوجه المحكيِّ في الجزية وقوله "حكمنا" بالحاء، وكان الأحسن في الترتيب أن يقدم قوله "وإن سمع قاضيهم البينة" على الكلام في أخذ الحقوق.

قال الغَزَالِيُّ: هَذَا إِنْ كَانَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَتَأْوِيلٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَوْكَةٌ فَلاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُمْ، وَإِنْ وُجِدَتِ الشَّوْكَةُ دُونَ التَّأْوِيلِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُمْ عَلَى الظَّاهِرِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: لمَّا تكلَّم في الحكمين في حقِّ أهل البغْي المستجمعين لصفتَي الشوكة والتأويلِ، أراد أن يبيِّن ما يتعلَّق بهما في المخالفين الفاقدين لإحدى الصفتين، [فالذين] (٢) لهم تأويلٌ بلا شوكةٍ سمة الطاعة مستمرَّةٌ عليهم، وليس لهم تصدٍّ للقضاء، وما يبدونه إذا خَلَوْا بأنفسهم كمحاورةٍ ومشاورةٍ تجري بينهم والتحكيم بينهم على الخلاف المَعْروف في غيرهم، وليس لهم قوة أخْذِ الحقوق وإقامةِ الحدود، والذين لهم شوكةٌ بلا تأويل، الظاهرُ المعروفُ عند الأصحاب أنه لا ينْفُذ حكمهم؛ [ولا يعتد باستيفائهم الحقوق والحدود]، لأن عماد البغْي التأويلُ، وكأنهم إلى أن ينْكَشِف لهم الحقُّ معذورون بما يتمسكون به (٣) وأبْدَى الإِمام احتمالاً في نفوذه؛ كيلا يتفاقم الضرر في الناحية التي استولَوْا عليها؛ والحال في تلْك الناحية كالحال فيما إذا خلا العصْر عمن يصْلُح للإمامة، وأحال بِسْطه على كتابة المعْروف "بالفيائي".

قال الْغَزَالِيُّ: أَمَّا غُرْمُ المَالِ فَمَا أتْلِفَ فِي غَيْرِ القِتَالِ مَضْمُونٌ عَلَى الفَرِيقَيْنِ، وَمَا أُتْلِفَ فِي القِتَالِ غَيْرُ مَضْمُونِ عَلَى العَادِلِ، وَفِي البَاغِي قَوْلاَنِ، فَإِنْ قُلْنَا: لاَ يَجِبُ فَفِي الكَفَّارَة وَجْهَانِ، فَإنْ قُلْنَا: يَجِبُ فَفِي القِصَاصِ وَجْهَانِ، هَذَا عِنْدَ وُجُودِ الشَّوْكَةِ، فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلٌ بِلَا شَوْكَةِ وَجَبَ الضَّمَانُ، قَتَلَ ابْنُ مُلْجَمِ عَلِيّاً رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ مُتَأَوِّلًا فَأُقِيدَ بِهِ، وَإِنْ وُجِدَتِ الشَّوْكَةُ دُونَ التَّأْوِيلِ فَطَرِيقَانِ، قِيلَ: يَجِبُ الضَّمَانُ، وَقِيلَ بِطَرْدِ القَوْلَينِ لِأَنَّ إِسْقَاطَ الضَّمَانِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ كَأَهْلِ الحَرْب، وَالقَوْلاَنِ جَارِيَانِ فِي المُرْتَدِّينَ إِذَا أَتْلَفُوا فِي القِتَالِ.


(١) سقط في ز.
(٢) في أ: فالذي.
(٣) في ز: لما يتمسكون.

<<  <  ج: ص:  >  >>