للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترتيب ما نَحْن فيه على الخلافِ المذكورِ في وجوب الضمان، إذا فتح القفص عن طائر، والقطْعُ أوْلَى بالمنع، قال: ولو فَصَلَ فاصلٌ بين الحيوان المطمئن في الناس وبيْن الذي يَغْلب عليه النِّفَار (١)، لكان وجهاً، وقوله في الكتاب "وهو تردُّد في أن التَّسَبُّبَ، هَلْ يكفي للقَطْع؟ أراد به أن الخلاف في الصُّوَر المذكورة قد يستند إلى مباشرةِ الإخراجِ، ولم يوجَدْ في هذه الصور، لكنه تسبَّب إلى الخروج بواسطة الغَيْر؛ فعلى رأْي يُكْتَفَى به كما يُكْتَفَى به لوجوب الغرم؛ وعلى رأْي، يحتاط للقطْع، فلا يناط إلا بالمباشرة، ولو نقب الحرز، ثم أمر صبيّاً لا يميز بإخراج المال، فأخرجه، فعن بعْضهم: أنه، كما لو وضع المتاع على البهيمة، فخرجت به منْ غير تسير، وعن أكثرهم: أنه يجبُ عليه القطْع، وأَمْرُه كتسيير البهيمة، وإن كان مميِّزاً، [وله] اختيار صحيحٌ ورؤية؛ فلا يجعل آلةً للآمر، [فلا قطع] والعبْدُ الأعجميُّ كالصبيِّ الذي لا يميِّز.

قال الغَزَالِيُّ: وَلَوْ حَمَلَ عَبْداً صَغِيراً مِنْ حَرِيمِ دَارِ سَيِّدِهِ قُطِعَ لِأَنَّهُ حَرَّزَهُ إِلاَّ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ فَلَوْ دَعَاهُ وخَدَعَهُ فَهُوَ مُمَيِّزٌ فَلاَ قَطْعَ، وَإِلاَّ فَهُوَ كَالبَهِيمَةِ، وَلَوْ أُكُرِهَ المُمَيِّزُ بِالسَّيْفِ عَلَى الخُرُوجِ فَوَجْهَانِ، وَلَوْ حَمَلَ عَبْداً قَوِيّاً فَلَمْ يَمْتَنِعْ فَلاَ قَطْعَ إِذْ حَرَّزَهُ قُوَّتُهُ وَهُوَ مَعَهُ، وَكَذَا إِنْ كَانَ نَائِماً، وَلَوْ حَمَلَ حُرّاً وَمَعَهُ ثِيَابُهُ فَفِي دُخُولِ الثِّيَابِ تَحْتَ يَدِهِ نَظَرٌ، فَإِنْ كَانَ قَوِياً لَمْ تَدْخُلْ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفاً تَدْخُلُ وَهَلْ يَكُونُ سَارِقاً؟ وَجْهَانِ، وَلَوْ نَامَ عَلَى البَعِيرِ وَعَلَيْهِ أَمْتِعَةٌ وَأَخَذَ السَّارِقُ زِمَامَهُ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ القَافِلَةِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ يُفَرَقُ فِي الثَّالِثِ بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعِيفِ، وَفِي الرَّابعِ بَيْنَ الحُرِّ وَالعَبْدِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: وفيه مسألتان:

أحدهما: العبْد الصغيرُ الذي لا يميِّز، يجب القطْع بسرقته، إذا كان محرَّزاً، وإنما يكون محرَّزاً، إذا كان في دارِ السيدِ أو بفناءِ داره، وسواءٌ كان وحْده أو كان يلْعَب مع الصبيان؛ لأنه لا يُعدُّ مضيِّعاً، إذا كان عَلَى باب الدار، [فإن] بَعُد عنه، ودخل سكة أخرَى، فهو مضيِّع، ولا فرق بين أن يحمله نائماً أو مستيقظاً مربوطاً، وبين أن يدْعُوهَ فيتبعه؛ لأنه لا تمييز (٢) له، فهو كالبهيمة تساقُ أو تقاد، ويجيء فيه الخلافُ الذي ذَكْرناه في تسيير (٣) البهيمة والمجنونُ والأعْجمي الذي لا تمييزَ لَهُ، كالصَّغير الذي لا يميز [له]، وإن كان الصغيرُ مميِّزاً، فسرقه نائماً أو سكران أو مربوطاً فعلى ما ذكرنا في غَيْرِ المميِّز، ولو دَعَاه وخَدَعَه، فتبعه باختياره، فَلَيْس ذلك بسرقة، وإنَّما هو خيانةٌ، ولو


(١) في ز: الناس.
(٢) في ز: تميز.
(٣) في ز: تستر.

<<  <  ج: ص:  >  >>