للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعَادَةُ العَلاَمَةِ على قوله: "فهي قَاطِعَةُ طَرِيقٍ". واعْلَمْ أن هذه الصِّفَاتِ الثلاثة التي لا تُعْتَبَر في قاطع الطَّرِيقِ لَو تَكَلَّمَ فيها قبل الصِّفَتَيْن المُعْتَبَرَتَيْنِ، أو بعد الفَرَاغِ منهما كان أَحْسَنَ فِي التَّرْتِيبِ مِنْ إِدْخَالِهَا بينهما.

قال الغَزَالِيُّ: أَمَّا البُعْدُ عَنِ الغَوْثِ فَيُعْتَبَرُ لِأَنَّهُ عَلَى قُرْبِ العُمْرَانِ يُعْتَمَدَ عَلَى الهَرَبِ دُونَ الشَّوْكَةِ إِلاَّ أَنْ تَضْعُفَ قُوَّةُ السُّلْطَانِ، فَمَنْ أَخَذَ فِي البَلَدِ مَالاً بِالمُغَالَبَةِ فَهُوَ قَاطِعُ طَرِيقٍ، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا بِاللَّيْلِ وَأَخَذَ المَالَ بِالمُكَابَرَةِ وَمَنَعَ مِنَ الاسْتِغَاثَةِ فِي وَقْتِ قُوَّةِ السُّلْطَانِ فَهُوَ سَارِقٌ أَوْ قَاطِعُ طَرِيقٍ فِيهِ وَجْهَانِ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ:

الصفة الثانية: البُعْدُ عن الغَوْثِ، وإنما اعتُبِرَتْ ليحصل (١) التَّمَكُّنُ من الاسْتِيلاَءِ والقَهْرِ مُجَاهَرَةً، وذلك في الأَغْلَبِ إنما يَتَحَقَّقُ في البَوَادِي، والمواضع البَعِيدَةِ عَن العُمْرانِ.

فلو خرج جماعة في المِصْرِ [فحاربوا،] (٢) أو أَغَارَ عَسْكَرُ عَلى بلدة، أو قَرْيَةٍ، أو خرج أَحَدُ طرفي البلد على أَهْلِ الطَّرَفِ الآخر، وكان لا يَلْحَقُ بالمقصودين غَوْثٌ لو اسْتَغَاثُوا، فهم قُطَّاعُ الطريق، وإن كان يلحقهم الغَوْثُ لو اسْتَغَاثُوا، فالخارجون عليهم مُنتَهِبُونَ، وليسوا بِقُطَّاعٍ، وامتناع لحوق (٣) الغَوْثِ تَارَةً، ويكون لِضَعْفِ السُّلْطَانِ، [وَتَارَةً] (٤) لِبُعْدِهِ وَبُعْدِ أَعْوَانِهِ، وقد يغلب الدَّعَّارُونَ في مِثْلِ هذِهِ الحالة في البَلَدِ، فلا يقاومهم أَهْلُ السَّتْرِ والعِفَّةِ، وَيتَعَذَّرُ عليهم الاسْتِغَاثَةُ.

وعند أبي حنيفة [أن] المُحَارَبَةَ إنما تتحقق في البَوَادِي، والمواضع البعيدة عن العُمْرَانِ، ولا يتحقق في مِصْرٍ، ولا قَرْيَةٍ، ولا بين قريتين (٥) قريبتين.

وعن مَالِكِ: أنه لا تَثْبُتُ المُحَارَبَةُ حتى يكونوا على ثَلاثَةِ أَمْيَالٍ مِن العُمْرَانِ.

وعن أحمد: تَوَقُّفٌ فيه. واحْتَجَّ الأصحاب بعُمُومِ الآية.

قال الشَّافعي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "إن تعرضهم في البَلَدِ أَعْظَم جُرْأَة، وأكثر فَسَادًا، فكانوا بالعُقُوبَةِ أَوْلَى". ولو دخل جماعة دَارًا بالليل، [وتكاثروا] (٦) وكَابَرُوا (٧)، ومنعوا أصحاب الدار من الاسْتِغَاثَةِ مَع قوة السُّلْطَانِ وحضوره، فوجهان:


(١) في ز: لتجعل.
(٢) سقط في ز.
(٣) في ز: نخوف.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: تقرير يقين.
(٦) سقط في ز.
(٧) في ز: وكابدوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>