للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن سُرَيْجٍ: والحَبْسُ -والحالة هذه- في غير مَوْضِعِهِمْ أَوْلَى؛ لأنه أَحْوَطُ، وأبلغ في الزَّجْرِ [والإِيحَاشِ] (١).

وإن أخذ قَاطِعُ الطريق من المال قَدْرَ نِصَابِ السَّرقَةِ، قُطِعَتْ يدُه اليُمْنَى، ورِجْلُهُ اليُسْرَى، فإن عاد مَرَّةً أخرى، قُطِعَتْ يَدُهُ اليُسْرَى ورِجْلُهُ اليمنى، وإنما يُقْطَعُ مِن خِلاَفٍ لئلَّا يفوت جنس المَنْفَعَةِ.

ولا فَرْقَ بين أن يكون النِّصَابُ لواحد، أو لجماعة الرُّفْقَةِ، وكذلك لا يختلف الحُكْمُ في السَّرِقَةِ بين أن يكون المسروق لواحد، أو لجماعة مهما اتَّحَدَ الحِرْزُ (٢)، وإن كان المأخوذ دون النِّصاب، فلا قَطْعَ، كما في سرقة ما دون النصاب.

وقال ابن خَيْرَان (٣): فيه قَوْلاَنِ كالقولين فيما [إذا] (٤) قتل قاطع الطريق هل يُعْتَبَرُ في قَتْلِهِ الكَفَاءَةُ؟ على ما سيأتي إن شاء اللهُ تعالى.

ولأنه فَارَقَ السَّرِقَةَ في اعتبار الحِرْزِ (٥)، فَجَازَ أن يُفَارِقَهَا في اعتبار النِّصَابِ.

والمذهب المشهور الأول، واحْتُجَّ له بإطلاق قوله -صلى الله عليه وسلم-: " [القطع] في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" (٦).

وأما القولان في الكَفَاءَةِ، فقد فُرِّقَ بينهما بأن القَطْعَ المُسْتَحِقَّ في السرقة والمُحَارَبَةِ جَميعًا لله -تَعَالَى- فلا يَخْتَلِفُ المُسْتَحِقُّ به، وفي القَتْلِ المُسْتَحق في غير المُحَارَبَةِ الوَلِيُّ، وفي المُحَارَبَةِ المُسْتَحَق لله تَعَالَى، فجاز أن يختلف [الحكم] (٧) كما اختلف المُسْتَحِقُّ، وما ادَّعَاهُ من أَنَّ الحِرْزَ لا يُعْتَبَرُ في قَطْعِ الطريق فممنوع.

بل الذي قاله الأَصْحَابُ أنه لو كان المَالُ ضائعًا (٨) تسير به (٩) الدَّوَابُّ بلا حَافِظٍ، فلا يَجِبُ به القَطْعُ، ولو كانت الجِمَالُ مقطورة، ولم تَتَعَهَّدْ، كما شرطنا فيها، لم يجب القَطْعُ.

وإن قتل قَاطِعُ الطريق قُتِلَ، وهو قَتْلٌ مُختمٌ، ليس سَبِيلُهُ سَبِيلَ القصاص، وإن جَمَعَ بين القَتْلِ، وأَخْذِ المال، فيجمع عليه بين القَتْلِ والصَّلْبِ.

هكذا فَسَّرَ ابن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فيما رَوَاهُ الشَّافعي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وغيره ونَزَّلَ العُقُوبَاتِ المذكورة في الآية على هذه المَرَاتِبِ، والمعنى "أن يُقْتَلُوا" إن قَتَلُوا أو


(١) سقط في ز.
(٢) في ز: يجوز.
(٣) في ز: حيوان.
(٤) سقط في ز.
(٥) في ز: الحد.
(٦) تقدم.
(٧) في أ: المستحق به.
(٨) في ز: ضابط.
(٩) في ز: لتسوية.

<<  <  ج: ص:  >  >>