للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبطل الصلاة لخرجت المسائل كلها، وقد ذكر أبو سعيد المتولي هذه اللفظة، وقيداً آخر، وبذلك القيد قصد الاحتراز، لكن فيها غُنْيَة عنه، ثم تكلَّم في الكتاب في ستة من مواضع السهو منها ما يتعلق بترك المأمور.

ومنها ما يقع في قسم أرتكاب المنهي، وهذا الفصل يشتمل على أولها، وهو يتضمن مسائل يقتضي الشرح أن نفصلها أولاً، ثم نطبق نظم الكتاب عليها.

أحدها: الاعتدال عن الركوع ركن قصير، أمر المصلى فيه بالتخفيف، ولهذا لا يسن تكرير الذكر المشروع فيه بخلاف التسبيح في الركوع والسجود، وكأنه ليس مقصوداً لنفسه وإن كان فرضاً، وإنما الغرض منه الفصل بين الركوع والسجود، ولو كان مقصودًا لنفسه لشرع فيه ذكر واجب؛ لأن القيام هيئة معتادة فلا بد من ذكر يصرفها عن العادة إلى العبادة كالقيام قبل الركوع، والجلوس في آخر الصلاة، لما كان كل واحد منهما هيئة تشترك فيه العادة والعبادة وجب فيها شيء من الذّكر، وبهذا الفقه أجاب أصحابنا أحمدَ بْنَ حنبل -رحمه الله- حيث قال: بوجوب التسبيح في الركوع والسجود كالقراءة في القيام والتشهد في القعود، فقالوا: الركوع والسجود لا تشترك فيهما العادة والعبادة؛ بل هما محض عبادة فلا حاجة إلى ذكر مميز بخلاف القيام والقعود، فإن قيل (١): لو كان الغرض الفصل لما وجبت الطمأنينة فيه، فالجواب أن الطمأنينة إنما وجبت ليكون على سكينة وثبات، فإن تناهى الحركات في السرعة يخل بهيئة (٢) الخشوع والتعظيم، ويخرم الأبهة.

إذا عرف ذلك، فلو أطاله عمداً بالسكوت أو بالقنوت أو بذكرٍ آخر ليس بركن فهل تَبْطُل صلاته؟ فيه وجهان حكاهما صاحب: "النهاية" وغيره.

أحدهما: لا؛ لما روي عن حذيفة قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَالنِّسَاءَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي [رَكْعَةٍ] (٣) ثُمَّ رَكَعَ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَامَ قَرِيباً مِنْ رُكُوعِهِ، ثُمَّ سَجَدَ" (٤).

والثاني: أنها تبطل إلا حيث ورد الشرع بالتطويل بالقنوت، أو في صلاة التسبيح؛ لأن تطويله يعتبر لموضوعه، فأوجب عمده بطلان الصلاة، كما لو قصر الأركان الطويلة ونقص بعضها، وهذا الوجه هو الذي أورده في "التهذيب"، وذكر إمام الحرمين أنه ظاهر المذهب أيضاً، وحكي وجهاً ثالثاً عن القفال أنه إن قنت عامداً في اعتداله بطلت صلاته، وإن طَوَّلَ بذكر آخر لا يقصد القنوت لم تبطل، ويقرب من هذا كلام الشيخ أبي


(١) في "ب" قلت.
(٢) في "ب" بشرعية الخشوع.
(٣) في أقيامه.
(٤) أخرجه مسلم (٧٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>