للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحال ما وصفنا، فغير مستحسن، ولو أصاب بهما، لم يُحْسَب إصابتين، وكذلك الحكمُ وكذا فيما لو رمى سهمين دفعةً واحدةً، ذكره القاضي ابنُ كج، ولو انصدَمَ السهْم بشجر، ثم أصاب، فقد سبق ذكُر الخلافِ فيه، وهو مكرَّر هاهنا، وزاد هاهنا ذكرْ الخلاف في أنه، هل يُحْسَب عليه، إذا لم يصب وقد قدمناه أيضًا.

وقوله: "ثم وقع على قرب" يشير إلى أن الخلافَ فيما إذا وقع قريباً يتوقع في مثله الإصابة، فأما إذا أفرط التباعُدُ، فهو محسوب عليه لا محالة وكذلك نقول: لو حاد السهم عن سنن الهدَفِ، وخرج من السماطين، يُحْسَب عليه بسوء رمْيهِ ولو رمى إلى غير الجهة التي فيها الهَدَف، فهذا اشْتِغال منه بغير النضال الذي يتعاقدا عليه، فلا تُحْسَب عليه (١).

الثانية: لو كان في الغرض سَهْمٌ، فأصاب سهمه فوق ذلك السهمْ، نُظِر؛ إن كان ذلك السهم قد تعلَّق به، وبعضه أو أكثره خارجٌ، لم يحسب ذلك إصابة للغرض، ووُجِّه بأنه لا يدري، هل كان يبلغ الغرض لولا هذا السهْمُ، ولا يُحْسَب عليه أيضًا؛ لأنه عارِضٌ دون السهم، فإن شقه، وأصاب الغرضَ، حُسِبَ له، وقد يجيء فيه الخِلافُ المذكور في البهيمة وإن كان ذلك السهْمُ قد غرق فيه، اعتد إصابةً، فإن كان الشرْطُ الخَسْقَ، لم يحسَب له ولا عليه؛ لأنه لا يَدْرِي، هل كان يخسق أم لا، وينبغي أن ينظر إلى ثبوته فيه، وأن يُقاس صلابةُ ذلك السهم بصلابة الغرض، كما سبق نظيره.

ولو أخرق الرامي، وبالغ في النزع حتى دخل النَّصْل مقبض القوس، ووقع السهم عنده، فالنص إلحاقُه بانكسار القوْس وانقطاع الوتر وسائِرِ العوارض، ووُجِّه بأن سوء الرمي أن يقصد شيئًا، فلا يصيبه، ولم يُوجَدْ هاهنا، وإنما ترك التحفُّظ في النزع، وعن صاحِب "الحاوي": أنه يُحْسَب عليه؛ لأن النزعَ ينبغي أن يكون بقدر الحاجة، فالزيادة إساءة ويقرب من هذا كلامُ الإِمام وعن أبي الحسين بن القطان: أنه، إن لم يبلغ مدى الغرض، لم يُحْسَب عليه، وإن بلَغ المدَى، ولم يصب، حُسِبَ عليه.

الثالثة: الريحُ الليِّنة لا تؤثر حتى لو رمى زائلاً عن المسامتة، فردتْهُ الريحُ أو رَمَى ضعيفاً، فَقَوَّتْهُ، وأصاب، حُسِب له، وإن صرفته عن السمت بعْضَ الصرف، فأخطأ؛ حُسِب عليه؛ لأن الجو لا يخلو عن الريح الخفيفة غالباً، ويضعف تأثيرها في السهم مع سرعة مروره، فلا اعتداد بها، وفيها وجْهٌ: أنها تمنع الاحتساب عليه، إن أخطأ، ووجْهٌ، آخر: أنها كالعاصفة تمنع الاحتساب له وعليه.

وإن كانت الريحُ عاصفةً واقترنت بابتداء الرمي، فيخرج مما ذُكِر فيه وجهان:


(١) سقط من: ز.

<<  <  ج: ص:  >  >>