للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: وهو ظاهر النص، وبه أجاب الإِمام وصاحبُ الكتاب: أنها لا تؤثر؛ لأن ابتداء الرمي والريح، تهبّ عاصفة، تقصير وأيضاً فللرماة حَذَقٌ ونَظَرٌ في الرمْي وقت هبوب الريح؛ ليصيبوا، فإذا أخطأ، فقد ترك ذلك النظر، وظهر سوءُ رميه.

وأظهرهما: وهو قول أبي الطيب بن سلمة، وبه أجاب أصحابُنَا العراقيون وغيرهُمْ، أنها تمنع الاحتساب له، إن أصاب، وعليه إن أخطأ، لقوة تأثيرها, ولذلك يجوز لكلِّ واحد منهما تأخيرُ الرميْ إلى أن ترقد بخلاف اللينة، ولو هجم هبوبها بعد خروج السهم من القوس، فقضية الترتيب أن يُقَالَ: إن جعلنا اقترانها مؤثراً، فهو أولَى بالتأثير، وإلا، فوجهان:

أحدهما: أنها كالنكبات العارضة.

والثاني: المنْعُ؛ لأن الهواءَ لا يخلُو من الريح، ولو فتح هذا الباب لطال النزاعُ، وتعلَّل المخطِئُون به، والظاهِرُ أنه، إن أخطأ عند هجوم الهبوب، لم يحسب عليه، وإن أصاب، فهل يُحْسَبُ له؟ فيه الخلاف المذكورُ في "السُهم المزْدَلِف" (١) إذا أصاب.

وقال الشيخُ أبو إسحاق الشيرازيُّ: عندي لا يُحْسَب له بلا خلاف، وأن المزدلف أصاب الغرض بحدة رميه، ومع الريح العاصف لا يُعْلَمَ أنه أصاب برميه.

ولو هبت ريحٌ، ونقلت الغرض إلى موضع آخر، فأصاب السهمُ الموضعَ المنتقل عن، حُسِب له، إن كان الشرطُ الإِصابةَ، وعن القاضي بخلافه؛ لأنه زال المرميُّ إِليه، وإن كان الشرط الخَسْقَ، فليستَ صلابَةُ (٢) الموضع كصلابة الغرض، وإن أصاب الغرض في الموضع المنتتَقَل إلَيْه، لم يُحْسَب له، بل يُحْسَب عليه، ولو أزالت الريح الغرض حتى استقبل لسهْمَ فأَصابه السهم، قال القاضي ابنُ كج: لا يُحْسَبُ له.

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا حُكْمُ هَذَا العَقْدِ إِنْ قُلْنَا بِلُزُومِهِ فَيَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الرَّامِي وَبِمَوْتِ الفَرَسِ، وَلَوْ مَاتَ الفَارِسُ فَلِلوَارِثِ الإِتْمَامُ، وَيُحْتَمَلُ خِلافُهُ، وَاِنْ قُلْنَا بِالجَوَازِ جَازَ إِلْحَاقُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانِ بِعَدَدِ الأَرْشَاقِ وَالإِصَابَاتِ بِالتَّرَاضِي، وَهَلْ يَجُوزُ الاسْتِبْدَادُ؟ فِيهِ ثَلاثَةُ أَوْجُهٍ، يَجُوزُ فِي الثَّالِثِ لِلَّذِي قَرُب مِنْ أَنْ يَسْتَولِيْ دَوُنَ المَغْلُوبِ وَكَأَنَّ المَغْلوبِ


(١) ازدلف السهم، أي: اقترب، وأصله: التاء، فأبدلت دالاً، والمعنى: أنه ارتفع عن الأرض بشدة وِقَعْهِ عليها، فأصاب الغرض.
قال في "الشامل": المزدلف أن يقع دون الغرض على الأرض، ثم يئب إلى الغرض. ينظر: النظم المستعذب ٢/ ٦٠.
(٢) في ز: فيحسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>