للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستثناء الواقع فيها، وأن تكونَ كلمةُ الاستثناء متصلةً باليمين، لا يتخلَّلها كلام ولا سكوت، إلا أن يسكت سكتة تذكر أو تنفُّسٍ، عَلَى ما بَيَنَّاهُ في "الطلاق".

وعن أبي حنيفة: أن سكتة التنفس تمنع تأثير الاستثناء، رواه القاضي ابنُ كج، وأن يكون عازمًا على الكلمة من ابتداء اليمين، فلو حلف، ثم بدا له أن يستثني، فأتى بلفظ الاستثناء، لم يُعتدَّ به، وإن كان موصولاً باليمين، وإن قصد الاستثناء في خلال اليمين، واستثنى على الاتصال، ففيه وجهان، ذكرناهما في كتاب "الطلاق"، وممن صحَّح هذا الاستثناء الداركيُّ والقاضيان أبو الطَّيب والرويانيُّ -رحمهم الله- وممن لم يصحِّحه أبو الحسن بن المرزُبَان والقاضي ابن كج -رحمهم الله- ولو قال: إن شاء الله، واللهِ، لأَفْعَلَنَّ، أو لا أفعل كذا، صحَّ الاستثناء، وكذا لو قدَّم كلمة الاستثناء في الطلاق والعتاق، ولا فَرْق بين التقديم والتأخير، وكذا لو قال: لفلانٍ علي إلا عشرة دراهم مائةُ درهم، وفي هذه الصورة وجه آخر في كتاب القاضي ابن كج وعن القاضي أبي الطيب: أنه لو قال: إنْ شَاءَ اللهُ، أنْتِ طالقٌ، وعبدِي حُرٌّ، لا يقع الطلاق، ولم تحْصُل الحرية، وكذا لو قال: إن شاء الله، أنتِ طالقٌ، عبْدِي حرٌّ، من غير واو؛ لأن حرف العطف قد يحذف مع إرادة العطف، ومحمد من هذا القبيل قولُنا: "التَّحِيَّاتُ المُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ" وليكن هذا فيما إذا نوى صرفَ الاستثناء إليهما جميعاً، فإن أطلق، فيشبه أن يجيء خلاف في أنه يختص بالجملة الأولَى أو ينصرف إليهما جميعاً، ولو قال: أنت طالقٌ وعبدي حر إن شاء الله، فيجيء خلاف في أنه يختص بالجملة الثانية، أو ينْصَرف إليهما (١).


(١) قال النووي: الصحيح التعميم في الصورتين. والله أعلم.
قال في الخادم: هذا الكلام منهما يقتضي أربعة أمور:
أحدهما: أن خلاف الاستثناء بعد الجمل يعود إلى الجميع أو يختص بالأخيرة يجري عند عدم العطف أيضًا.
والثاني: أنه لا يختص كما إذا تأخر الاستثناء، بل يكون حالة تأخره كحالة تقدمه.
الثالث: أن محله إذا لم ينوِ عود الاستثناء إلى الجميع، فإن نواه عاد إليها قطعاً.
الرابع: أن خلاف عوده إلى الجميع أو اختصاصه بالأخيرة يجري في الاستثناء بمشيئة الله تعالى وكل واحد من ذلك فيه نزاع، أما الأول فإن الأصوليين قاطبة قيدوا المسألة بالجمل المتعاطفة وصرح كثير منهم بأنه عند عدم العطف لا يعود إلى الجميع قطعًا بل يختص بالأخيرة خاصة، وممن صرح بهذا الشرط القاضي أبو الطيب الطبري في كتابه في أصول الفقه، وكذا الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأبو نصر بن البشيري وابن السمعاني في القواطع وغيرهم، وأما من سكت عنه فلوضوحه وأمثلتهم ترشد إليه.
ويدل لذلك قولهم في كتاب الطلاق لو قال يا طالق أنتِ طالق ثلاثاً إن شاء الله أن الاستثناء ينصرف إلى الثلاثة ووقعت واحدة بقوله يا طالق، ولو كان العطف لا يشترط لكان الاستثناء عائدًا =

<<  <  ج: ص:  >  >>