للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-رضي الله عنه- ويُشْتَرَطُ أن يكونَ الكاتبُ عارفًا بما يكتب من المَحاضِرِ وغيرها، لئلاَّ يفسده. وأن يكون مسلمًا عدلاً؛ ليؤمن خيانته، وفي "المهذب" حكايةُ وجْهٍ آخر: أنه لا يُشْتَرَطُ الإِسْلام والعدالةُ، ولكن يُسْتَحَبَّان؛ لأنَّ القاضِيَ لا يُمْضِي ما كتبه حتى يقف عليه، ويُسْتَحب أن يكون وافر العقْل عفيفًا عن المطامع الفاسدة، كيلا يُخْدَعَ من غرَّه بمال، وأن يكون فقيهًا، لا يُؤتَى، من جَهْل، وأن يكون جيِّدَ الخَطِّ، ضابطًا للحروف لئلا يقع الغَلَطُ والاشتباه، والأَوْلَى أن يُجْلِسُ الحاكمُ الكاتِبَ بيْن يدَيْه؛ ليملي عليه، ويشاهد ما يكْتُب.

وأما المزكُّون؛ فالحاجة إليهم ظاهرةٌ، وفي التزكية فصْلٌ مفردٌ من بعْدُ.

وأما المترجمون؛ فلأن القاضي قد لا يعرف لسان بعْضِ الخُصُوم والشهود، فلا بدّ مِمَّنْ يطلعه عليه. ويشترط في المُتَرْجِم العدالة والتكليف والحرية؛ لأنه ينقل قولاً إلى القاضي لا يَعْرِفُه القاضي؛ فأشبه الشهادة، وبمثل هذا نقول باشتراط العَدَدِ فيه، وفي المزكِّي، بخلاف الكاتب؛ فإنه لا يُثْبِت شيئًا، وعند أبي حنيفة: يكفي مترجِمٌ واحدٌ ومذكٍ واحدٌ، ثم قال الأصحاب: إن كان الحقُّ مما يثبت برَجُلٍ وامرأتين، فتقبل الترجمةُ من رجلين، ومن رجُلٍ وامرأتين، وقال صاحب "التهذيب": وجب ألا يقبل إلاَّ من رجلين، كما لا يثبت الشهادة على الشهادة بقول النساء، وإن كان الحَقُّ مما يثبت برجل وامرأتين، وهذا ما أورده الإِمام -رحمه الله- وأما العِتْق والنكاح وما لا يثبت برجل وامرأتين؛ فلا يَقْبَلُ الترجمة فيه إلا من رجلين، وفي الزنا: يكفي رجلان أم لا بدّ من أربعة؟ فيه قولان، كما في الشهادة على الإقرار بالزنا، وقيل: يكفي رجلان بلا خلاف، ولو كان الشاهدانِ معًا أعْجَمَّيْينِ؟ فيه قولان كالقولين في شهود الفرع، وبالأول أجاب أبو الحسن العَبَّادِيُّ في "الرَّقْم" وهل يجوز أن يكون المَترْجِمُ أعمى؟ فيه وجهان:

أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز أن يكون شاهدًا.

وأصحهما: نعم؛ لأن الترجمة تَفْسِيرٌ للفظ لا يحتاج فيه إلى معاينة وإشارة، وإذا كان بالقاضي صَمَمٌ، واحتاج إلى من يُسْمِعُه، فثلاثة أوجه:

أصحها: اشتراط العَدَدِ كالمترجم.

والثاني: المنع؛ لأن المُسْمِع، لو غَيَّر أنكر عليه الخَصْم والحاضرون، فلا حاجة فيه إلى العدد، والمترجم لا يعرفون لِسَانَهُ.


= لزيد بن ثابت: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الحديث، وقال القضاعي: كان زيد بن ثابت يكتب عنه للملوك، مع ما كان يكتب من الوحي، وكان الزبير وجهم يكتبان أموال الصدقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>