والثاني: المنع، كما في معظم المجْتَهَداتِ، قال القاضي الرُّويانيُّ: وهو الصحيح، وقرب من هذا الخلافِ الخلافُ في نقض قضاء مَنْ قَضَى بحصول الفرق في اللعان، بأكثر الكلمات الخَمْس، وبسقوط الحد عمن نكح أمة، وَوَطِئَها.
ومنْها: قضاء الحنفيِّ ببطلان خيار المجْلِس والعرايا بالتقييد الذي يجوزه.
وفي ذكاة الجنين، قيل: إنه منقوض؛ لظهور الأخبار وبُعْدِها عن التأويلات الَّتِي يدعونها، وكذلك في الْقَتْل بالمُثَقِّل؛ لأنه على خلاف القياس الجَلِيِّ في عصمة النفوس، وهذا ما أورده الإِمام، وصاحب الكتاب، وبمثله أجاب محقِّقون في الحُكْم بصحة النكاح بلا وَليِّ.
وفي بيع أُمِّ الولد، وثبوت حرمة الرَّضَاع بعد الحولَيْن، وصحَّة النكاح بشهادة الفاسِقين من غير إعلان، ونكاح الشِّغَار، ونكاح المُتْعَة، وفي الحُكْم بقتل المسلم بالذمِّيِّ، وبأنه لا قصاصَ بَيْن الرَّجُل والمرأة، في الطرف، وبجريان التوارُثِ بيْنَ المُسْلِم والكافر، ويردّ الزوائد مَعَ الأصلِ في الردِّ بالعيب على ما ذهب إليه ابن أبي لَيْلَى.
ومن الأصحاب من منع النقض (١)؛ وقال: هي مسائلُ اجتهاديَّةٌ، والأدلَّةُ فيها متقاربةٌ، قال القاضي الرويانيُّ: وهو الصحيح، وكذلك ذكره القاضي ابن كج في الحُكْم ببطلان خيار المجلس، ويوافقه ما ذكرناه في باب النكاح، في الحُكْم بالنكاح بلا وليِّ، ويُنقَضُ قضاء من حَكَمَ بالاستحسانِ الفَاسِد.
فَرْعٌ: ما ينقضه من الحُكْم إذا كتب به إليه، فلا يخفى أنَّه لا يقبله، ولا ينفذه، وأما ما لا ينقضه، ويرى غيره أصْوَبَ منه. فقد حكَى القاضي ابن كج عن نصِّ الشَّافعيِّ -رضي الله عنه- أنه يعرض عنْه، ولا ينفذه، كما لا ينقضه؛ لأن التنفيذ إعانةٌ عَلَى ما هو خطأٌ عنْدَهُ.
وقال ابن القاضِّ في "أدب القاضي": لا أحب أن ينفذه، كما لا يبتدئ الحُكْم بما يرى غَيْره أصوب منْه، وفي قوله:"لا أحب" إشعار بأصل التجويز، فيشبه أن تكون المسأَلَةُ على وجهين، وقد صَرَّح بنقلها أبو الفرج السرخسيُّ -رحمه الله- فقال: إذا رُفِعَ إليه حكم الحاكم قَبْلَه، فلم يرَ فيه ما يقتضي النقض، لكن أدى اجتهاده إِلَى غيره، فوجهان:
(١) قال الشيخ البلقيني: ذكر المصنف في كتاب أمهات الأولاد أن قاضيًا لو قضى بجواز بيعها ما نصه: حكى الروياني عن الأصحاب أنه ينقض قضاؤه وما كان فيه من خلاف بين القرن الأول فقد انقطع وصار مجمعًا على منعه ونقل الإِمام فيه وجهين، انتهى. وهذا يخالف ما ذكره عن الروياني هنا. انتهى كلام المصنف.