للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلِهِ، وَجَبَتِ الإِجَابَةُ لِلحَاجَةِ إلى الإِثْبَاتِ، وَتَعَذّر الإثبات بالشهادة على الشَّهَادة، والمسافة هذه وهذه التي تسمى مَسَافَةَ العَدْوَى.

وقد بَيَّنَّا في النكاح سَبَبَ هذه التَّسْمِيَةِ، فإن ادعى إلى مَسَافَةِ القَصْدِ، [لم تجب الإجابة، وإن كانت دُونَ مَسَافَةِ القَصْرِ] (١). ولكن لا يتمكن المُبَكِّرُ إليها من الرُّجُوع، فوجهان؛ بِنَاءً على أن الشَّهَادَةَ على الشهادة في مِثْلِهَا، هل يقبل؟ أقربهما، القبول، وعدم وُجُوب الإِجَابَةِ، للمَشَقَّةِ. وهذا كُلَّهُ تَفْرِيعٌ على أن الشَّاهِدَ، يجب عليه الحُضُورُ عند القَاضِيَ لأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وهو الصحيح. وإلا، لَتَعِبَ القَاضِي في الطَّوَفِ على أبْوَابِ الشهود، وسقط وقعه، أو ضَاعَتِ الحُقُوقُ.

وعن القاضي أبي حَامدٍ: أنه ليس على الشَّاهِدِ إلا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، إذا اجتَمَعَ مع القَاضِي. وقوله في الكتاب: "فإن دُعِيَ إلى من فوقها"، بعد قوله: "من دون مسافة العدوى"، [ظاهره عود الكتابة إلى مسافة العَدْوَى وحينئذ فحكم مسافة العَدْوَى] (٢)، يكون مَسْكُوتاً عنه.

ولو قال: فإن دعي من فوقه لعادت الكِتَابَةُ إلى ما دون مَسَافَةِ العَدْوَى، ولدخل فيه مَسَافَةُ العَدْوَى، وما فوقها، فهذه هي القُيُودُ في الكتاب.

ووراءه قَيْدٌ رَابعٌ: وهو أن يكون الشَّاهِدُ عَدْلاً، فإن كان فَاسِقاً، ودعي لأَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ نُظِرَ، إن كان فسقُهُ مُجْمَعاً عليه، إما ظاهِرَاً، أو خَفِياً، لم يَجُزْ له أن يَشْهَدَ، فَضْلاً عن الوُجُوب، وإن كان مُجْتَهَداً فيه كَشُرْب النَّبِيذِ، فعليه أن يَشْهَدَ، وإن عهد من القاضي التَّفْسيق، ورَدَّ الشهادة به؛ لأنه قد يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادهُ. هذا هو الأَظْهَرُ وفي أمالي أبي الفَرَجِ السَّرَخْسِيِّ وَجْهٌ: أنه لا يجب في الفِسْقِ المُجْتَهَدِ فيه، إذا كان ظَاهِرَاً (٣) , لأن الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُهُ على اجْتِهَادِهِ.

وفي كتاب القاضي ابن كَجٍّ: إِطْلاَقُ القَوْلِ: بأن عليه أن يَشْهَدَ، إن كان فِسْقُهُ خَفِيّاً، وإطلاق وجهين فيما، إذا كان ظَاهِراً وحكى وجهين في أنه، هل لِلشَّاهِدِ أن يَشْهَدَ بما يَعْلَمُ، أن القاضي يُرَتِّبُ عليه ما لا يعتقده الشَّاهِدُ، كالبيع الذي يرتب عليه الشُّفْعَةَ، بالجِوَارِ والشاهد لا يعتقد الجِوَارَ مُثْبِتاً لِلشُّفْعَةِ؟

وإذا كان أحد الشَّاهِدَيْنِ عَدْلاً، والآخر فَاسِقاً فِسْقاً مُجْمَعاً عليه؛ لم يجب على


(١) سقط في: أ.
(٢) سقط في: أ.
(٣) ما ذكره في المجمع عليه صحيح في الفسق الظاهر، أما الفسق الخفي فلا لأنها شهادة بحق وإعانة على حق في نفس الأمر ولا إثم على القاضي إذا لم يقصر، وانما هذا شيء قاله القاضي الحسين والبغوي وتبعهما الرافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>