للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العَدْلِ الأَدَاءُ؛ تَفْرِيعاً على الصَّحيح، إذا كان الحَقُّ لا يَثْبُتُ بشَاهِدٍ، ويَمِينٍ.

وَقَيْدٌ خَامِسٌ: وهو ألا يَكُونَ مَعْذُوراً بِمَرَضٍ، ونحوه؛ فإن المَرِيض الذي يَشُقُّ عليه الحُضُورُ، لا يُكَلَّفُ أن يَحْضُرَ، ويؤدي، بل إما أن يُشْهِدَ على شَهَادَتِهِ، أو يَبْعَثَ القاضي إليه مَنْ يَسْمَعُ شهادته، والمرأة المَخَدَّرَةُ، كالمَرِيضِ، وفيها الخِلاَفُ الذي سَبَقَ في الباب الثالث من "أدب القضاء".

وغير المُخَدَّرَةِ يَلْزَمُهَا الحُضُورُ وَالأَدَاءُ، وعلى الزوج أن يَأْذَنَ لها: ذكره القاضي ابْنُ كَجٍّ. وإذا اجتمعت شَرَائِطُ الوُجُوبِ، فلا يُرْهَقُ الشَّاهِد إِرْهَاقاً؛ بل لو كان في صَلاَةٍ، أو حَمَّامٍ، أو على طَعَامٍ، فله التَّأْخَيرُ إلى أن يَفْرَغَ.

وعن أبي الحُسَيْنِ بن القَطَّانِ حِكَايَةُ قولين: أنه هل يُمْهَلُ إلى ثَلاَثَةِ أيام (١)؟ قال القاضي ابْنُ كَجٍّ والظاهر: المَنْعُ، وذكر أنه لو شَهِدَ، وَرَدَّ القاضي شَهَادَتَهُ بِعلَّةِ الفِسْقِ، ثم طلب المُدّعي منه أن يَشْهَدَ عند قَاضٍ آخر؛ فعليه الإِجَابَةُ.

وعند ذلك القاضي لا يَجِبُ.

وفيه وجه: أنه لو دُعِيَ لأداء الشَّهَادَةِ عند أَمِيرٍ أَوْ وَزِيرٍ، فعند ابن القَطَّانِ لا يَجِبُ عليه أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عندهما، وإنما يلْزَمُ عند مَنْ لهَ أَهْلِيَّةُ سَمَاع الشَّهادة وهو القاضي. قال: وعندي يَجِبُ إذا عُلِمَ أنه يَصِلُ به الحَقُّ إلى المُسْتَحِقِّ (٢).


(١) قال في الخادم: اقتصاره على حكاية قولين في ثلاثة أيام. قال ابن كج: والظاهر المنع. هذا لفظه، وقد صرح بحكايتهما الدارمي مع طريقة ثالثة فقال: إن سألا النظرة فليس عليه إلا حسب العرف. وقيل: قولان كالمزني. وقيل: لا ينظر قولاً واحداً.
(٢) قال النووي: قول ابن كج أصح. والله أعلم.
قال في الخادم: وينبغي حمل كلام ابن كج والشيخ أبي حامد وغيرهما أي ممن وافق ابن كج على ما إذا علم أن الحق لا يتخلص إلا عند الأمير أو الوزير وإليه يرشد قول ابن كج إذا علم أنه يصل إلى الحق وما استشهد به لا دلالة فيه فإنه يصدق بما ذكره مع قدرة القاضي على اتصال حقه. نعم لو قال ابن كج إذا علم أنه لا يصل إلى حقه إلا به لظهر ذلك، ثم قال في الخادم بعدما تقدم أما إذا علم أن القاضي يقدر على تخليصه فلا وجه لإقامة الشهادة عند من ليس أهلاً لسماعها، وقد جزم في الروضة في باب القضاء على الغائب بأن منصب سماع الشهادة يختص بالقضاة فلا يعدل عن ذلك لضرورة، ولعل ما نقله في المهمات عن ابن سراقة من أن الأكثرين على المنع محمول على هذه الحالة، ولا يعارض ذلك كلام ابن كج وغيره ثم هذا كله في العدل، أما الجائز فلا يجب قطعاً وقد صرح بذلك الدارمي فقال إذا دعي ليشهد عند غير حاكم كأمير ونحوه فإن كان جائراً لم يجب، وإن كان عدلاً فوجهان، وفي فتاوى القاضي أبي بكر الشاشي صاحب القاضي أبي الطيب إذا استدعي ليشهد عند سلطان جرت عادته أن يقابل على الجناية بأكثر من عقوبتها لم يجز له أن يشهد عنده، وفصل الماوردي والروياني فقالا إن دعي =

<<  <  ج: ص:  >  >>