للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= المتضادين. ثانيهما حمله على صورة مخصوصة، وهي أنَّ رجلاً اشترى عبداً فادعى المشتري أَنَّ به عيباً، وأقام شاهداً واحداً فقال البائع: بِعْتُهُ بالبراءة فيحلف المشتري أن ما اشتراه بالبراءة، ويرد العبد. وتعقبه بأنها صورة نادرة، ولا يحمل الخبر على النادر. هذا ما أجيب به عما ورد على أدلة المجوزين، ولم تجب أحد فيما نعلم عما ورد على أدلة المانعين.
وانتصار المذهب المجوزين. قال أبو عبيد أَنَّ القضاء بشاهد، ويمين هو الذي يختاره اقتداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقتصاصاً لأثره. وليس ذلك مخالفاً لكتاب الله عند من فهمه. والسنة مفسرة للكتاب ومترجمة عنه. وعلى هذا كثير من الأحكام التي أخذنا بها نحن، ومن خالفنا في الشاهد واليمين كقوله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ" والرجم على المحصن، والنهي عن نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، والتحريم من الرضاع ما يحرم من النسب. وقطع الموارثة بين أهل الإسلام، والكفر، وتحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير وعدم قتل الوالد بالولد ... في شرائع كثيرة لا يوجد لفظها في ظاهر الكتاب، ولكنها سنة شرعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلى الأمة اتباعها كاتباع الكتاب، وكذلك الشاهد واليمين لما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهما. وإِنَّمَا في الكتاب فرجل وامرأتان، فعلم أَنَّ ذلك إِذَا وجدتا فإِذَا عدمتا قامت اليمين مقامهما. كما علم حين مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- على الخفين أن قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} معناه: أن تكون الأقدام بادية، وكذلك لما رجم المحصن في الزنى علم أن قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} للبكرين، وكذلك ما ذكرنا من السنن فما بال الشاهد، واليمين ترد من بينها.
وقال ابْنُ تَيْمِيَّةَ والقرآن لم يذكر الشاهدين، والرجل والمرأتين في طرق الحكم التي يحكم بها الحاكم وإِنَّما ذكر هذين النوعين من البينات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه. ثم قال: وما تحفظ به الحقوق شيء، وما يحكم به الحاكم شيء آخر. فَإِنَّ طرق الحكم أوسع من الشاهدين والرجل والمرأتين فإنَّ الحاكم يحكم بالنكول ولا ذكر له في القرآن. فإِنْ كان الحكم بشاهد ويمين مخالفاً لكتاب الله فالحكم بالنكول أشد مخالفة.
وقال الرَّبِيعُ: قال الشافعي: قال بعض الناس في اليمين مع الشاهد قولاً أسرف فيه على نفسه قال: أَرُدُّ حكم من حكم بهما؛ لأنه مخالف للقرآن. فقلت له: الله أمر بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، قال نعم. فقلت أحتم من الله ألا يجوز أقل من شاهدين؟ قال: فإن قلته. قلت فقله. قال قد قلته. قلت: وتجد في الشاهدين اللَّذَيْن أمر الله بهما حداً. قال نعم. حران مسلمان بالغان عدلان. قلت: ومن حكم بدون ما قلت، خالف حكم الله. قال: "نعم" قلت له: إنْ كان كما زعمت فقد خالفت حكم الله قال وأين؟ قلت: أجزت شهادة أهل الذِّمَّةِ وهم غير الذين شرط الله إن تجوز شهادتهم. وأجزت شهادة القابلة وحدها على الولادة، وهذا إن وجهان أعطيت بهما من جهة الشهادة، ثم أعطيت بغير شهادة في القسامة وغيرها، قلت: والقضاء بالشاهد، واليمين ليس يخالف حكم الله، بل هو موافق لحكم الله إِذْ فرض الله طاعة رسوله فاتبعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبحانه وتعالى قبلت كما قبلت عن رسوله.
وقال الشوكاني: إنَّ جميع ما أورده المانعون من الحكم بشاهد ويمين. غير نافق في سوق المناظرة عند من له إلمام بالمعارف العلمية. وأقل نصيب من إنصاف. فالحق أن أحاديث العمل بشاهد ويمين زيادة على ما دل عليه قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}. وعلى ما دل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: شاهداك أو يمين. غير منافية للأصل. فقبولها متمتم، وغاية ما يقال على =

<<  <  ج: ص:  >  >>