تَعْدُو ذَلِك" (١).وإنما امْتَنَعَ القَضَاءُ بشَاهِدٍ ويَمينٍ في عُيُوب النِّسَاء, وما في معناها؛ لأنها أُمُورٌ خَطِيرةٌ، بخلاف الأَمْوَالِ، وقَبُولُ شهادة النساء فيها، من جِهَةِ أن الرِّجَالَ لا يَطَّلِعُونَ عليها غَالِباً، وهل يجوز القَضَاءُ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ مع اليمين؟
أما في الأمْوَالِ فلا، خِلاَفاً لمالك، واحتج الأَصْحَابُ بأن المُنْضَمَّ إلى اليمين، إذا شَهِدَتِ امْرَأتَانِ، أضعف شَطْرَي الحُجَّةِ، فلا يقنع بانضمام الضعيف إلى الضَّعِيفِ، كما لا يُقْنَعُ بانْضِمَامِ شهادة امرأتين إلى شهادة امرأتين.
وأما فيما يَثْبُتُ بشهادة النساء وَحْدَهُنَّ، فإن أبا الفرج السَّرَخْسِيَّ حكى عن طَائِفَةٍ منهم الشيخ أبو عَلِيٍّ: أنه يَجُوزُ؛ لأن المُنْضَمَّ حينئذ، شَطْرٌ تَامٌّ لأضعف الشَّطْرَيْنِ.
وعن آخرين: المنع؛ لأنه لم يَنْضَمَّ إليها أَقوَى الشَّطْرَيْنِ، فلم يكن في معنى المَنْصُوص. وهذا أَوْفَقُ لإطلاَقِ عامة النَّاقِلِينَ رحمهم الله.
والثاني: هل القَضَاءُ بالشَّاهِدِ، أو باليمين، أو بهما، فيه ثلاثَةُ أوجه:
أحدها: أنه بالشاهد؛ لأَنَّ إِثْبَاتَ الحَقِّ باليَمِينِ بَعِيدٌ، لكن يُؤكَّدُ بها الحجة، كالحجة المُقَامَةِ على الغائب والمَيِّتِ.
والثاني: باليمين والشَّاهِدِ يقوى جَانِبَ المُدَّعِي، كاللَّوثِ في القَسَامَةِ؛ لأن الشاهد الواحد ليس بِحُجةٍ، واليمين حُجَّةٌ في الحُكْم، وربما اسْتَأْنَسَ صاحب هذا الوجه بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى: أنه قَضَى بالشَّاهِدِ الوَاحِدِ مع يَمِينِ الطَّاَلِبِ، وجعلا ما دخل عليه كلمة "مع" شَرْطاً.
وأصحهما: أن القَضَاءَ يَقَعُ بهما جَمِيعاً، كما يقع بالشَّاهِدِ.
وفائدة الاخْتِلاَفِ تظهر فيما لو رجع الشَّاهِدُ، فعلى الأول؛ يغرم، إذا جعلنا الرُّجُوعَ سَبَباً لِلْغُرْمِ. وعلى الثاني, لا يُغَرَّمُ، وعلى الثَّالث؛ يُغَرَّمُ النِّصْفَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَيَحْتَمِلُ عَلَى الوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يُخَرَّجَ الغُرْمُ عَلَى الخِلاَفِ فِي أَنَّ المُزَكِّي هَلْ يُغَرَّمْ؛ لأَنَّ القَضَاءَ وَإنْ كَانَ بِاليَمِينِ، فَقَوْلُ الشَّاهِدِ هُوَ الَّذِي نَفَّذَهُ, ويُجْزِئُ مِثْلُ هَذَا فِي النِّصْفِ عَلَى الوَجهِ الثَّالِثِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الفصل الثَّالِثُ: في كيفيته:
وإنما يَحْلِفُ المُدَّعي بعدِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَتَعْدِيلِهِ، فإن جَانِبَهُ إنما يَتَقَوَّى حينئذ، وإنما يَحْلِفُ مَنْ قَوِيَ جَانِبُهُ، وكذلك يَحْلِفُ المُدَّعَى عليه، فإن الأصل يقوى جَانِبَهُ، ويحلف المُدَّعِي إذا نَكَلَ المُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لأن النُّكُولَ قَوَّى جَانِبَهُ.
(١) أخرجه الدارقطني بإسناد ضعيف قاله الحافظ في التلخيص.